اضاءات حول أسماء الله الحسنى



تعظيم اسم الله "الواحد - الأحد"
  
 (الواحد) ورد في أكثر من عشرين موضعًا في القرآن
ومن ذلك قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) } [الرعد: 16].

وأما اسمه: (الأحد) فقد ورد مرة واحدة في القرآن الكريم
وذلك في قوله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) } [الإخلاص: 1].

معنى (الواحد الأحد)  في حق الله تعالى

 (الواحد والأحد)
هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر
المتفرد في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلهيته،
لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد".

ما معنى وحدانية الله عز وجل؟

إنها تعني التوحيد بأنواعه الثلاثة:
1- توحيده سبحانه في ذاته وصفاته.
2- توحيده سبحانه في ربوبيته.
3- توحيده سبحانه في ألوهيته.

وفي ذلك يقول الدكتور الأشقر حفظه الله تعالى:

وتتجلى وحدانية الله تعالى فيما يأتي:
أولاً: في ذاته وصفاته:

فالله لا مثيل له ولا نظير له، لا في ذاته ولا في صفاته؛
ولذلك فإنه - تعالى وتقدس - لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا،

ووحدانيته تعالى في صفاته، تدل على أنه لا مثيل له في رحمته ولا في عزته، وجبروته، وملكه، وقدرته، ورزقه، وعلمه، وغيرها من صفاته.
فالله متفرد في صفاته،

ثانيًا: وحدانيته تعالى في ربوبيته:
فهو سبحانه وحده الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء من السماء، وأنبت به جنات الأرض التي تبهج النفوس وتسرها:
قال الله مقررًا وحدانيته:
{ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) } [الرعد: 16].

ثالثًا: توحيده في ملكه:
ومن توحيد الربوبية: توحيد الله في ملكه،

يقول الشيخ حافظ حكمي:
"(الأحد الفرد) وهو أحد في ربوبيته فلا شريك له في ملكه، ولا مضاد، ولا منازع ولا مغالب،
فكما أنه (الأحد الفرد) في ذاته وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته
فهو المتفرد في ملكوته بأنواع التصرفات،
من الإيجاد والإعدام، والإحياء والإماته، والخلق والرزق، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال، والإسعاد والإشقاء، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والوصل والقطع، والضر والنفع،...".

رابعًا: وحدانيته في ألوهيته:

فالله هو المعبود الحق الذي يستحق العبادة دون سواه،
وكل من عبد معه إلهًا آخر يدعوه، ويستعين به، ويستغيث به، فقد أشرك غيره معه في ألوهيته:
{ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) } [الأنعام].

ووحدانية الله أخص خصائص ألوهيته،
والإقرار بالألوهية أعظم أنواع العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى،
ونقيض الوحدانية الشرك، وهو أعظم جريمة يرتكبها البشر،
ولعظمها فإن الله لا يغفر لأحد مات على شركه:
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) } [النساء: 48]،


ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين

إن أعظم أثر وموجب لهذين الاسمين الجليلين الكريمين
هو إفراده - سبحانه وتعالى - بالربوبية والإلهية
وتوحيده سبحانه بأفعاله وصفاته وتوحيده بأفعال عباده.

فكما أنه واحد في ربوبيته - حيث هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء-
فهو واحد في ألوهيته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له.
وحينئذ يتحقق توحيد العبد لربه سبحانه ويتحقق إفراده - عز وجل - بجميع أنواع العبادة، حيث لا يستحق العبادة إلا هو وحده سبحانه.

وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها
فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له.
ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله - عز وجل -
ولا يستغيث، ولا يستعين، ولا يستعيذ إلا بالله وحده،
ولا يخاف، ولا يرهب، ولا يشفق إلا من الله وحده،
ولا يتوكل إلا عليه وحده.

تعلق القلوب بخالقها ومعبودها وتوجهها له وحده لا شريك له،
لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء.
وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها
ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها
وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق
ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)،
فيستريح ويطمئن،
لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة وشركاء متشاكسين يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير،

إفراد الله - عز وجل - بالتشريع والتلقي: فإن الإيمان بوحدانية الله - عز وجل - وأحديته
توجب توحيده في الحكم والتحاكم والتلقي.
قال - عز وجل -: { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا } [الأنعام: 114]،

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

تعظيم اسم الله " الوارث "

ورد ذكر (الوارث) في القرآن ثلاث مرات كلها بصيغة الجمع وهي:

في قوله تعالى:
{ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) } [الحجر].

وقوله تعالى:
{ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) } [الأنبياء].

وقوله تعالى:
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) } [القصص].

وورد مرة واحدة بصيغة الفعل في قوله سبحانه:
{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) } [مريم]،

معنى (الوارث) في اللغة:
قال الزجاج:
" (الوارث): كل باق بعد ذاهب فهو وارث".

معناه في حق الله عز وجل:

قال الزجاجي:
"الله - عز وجل - وارث الخلق أجمعين، لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون؛

كما قال - عز وجل -: { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) } [مريم: 40] ").

ويقول الخطابي:
"(الوارث) هو: الباقي بعد فناء الخلق
والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم،
ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها
يورثها من يشاء، ويستخلف فيها من أحب".

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الوارث(

1- السعي في هذه الدنيا للتقرب إلى الله عز وجل وجنته بالعلم النافع والعمل الصالح؛
وذلك للفوز بالجنة التي لا يورثها الله عز وجل إلا للمتقين:
{ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } [مريم:63].

واللهج بالدعاء الذي دعا به إبراهيم عليه السلام:
{ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ } [الشعراء:85].

2- عدم الاغترار بقوة الباطل وانتفاشه فإن الله - عز وجل - له بالمرصاد وسيأتي الوقت الذي يزهقه الله فيه،
ويورث عباده المؤمنين ديار الكافرين ويمكنهم فيها.

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَن الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) } [الأنبياء: 105].

3- عدم الاغترار بالدنيا والحذر من الركون إليها، لأن مآلها إلى الفناء ولا يبقى إلا ما قدمه العبد لنفسه يوم القيامة،
قال صلى الله عليه وسلم:
(يقول ابن آدم: مالي مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت).رواه مسلم

4- التعلق بالله وحده، والتوكل عليه في حفظ من يبقى للعبد بعد موته من مال، وولد وهو خير الوارثين.

5- التبرؤ من الحول والقوة في كسب المال، والنظر إلى أن المالك الحقيقي هو الله - عز وجل - وإنما وضعه الله في أيدي الناس للاختبار،
وهذا يحفز العبد إلى الإنفاق في سبيل الله - عز وجل - والجود به في سبيل مسديه.

قال سبحانه: { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الحديد: 10].

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل



تعظيم اسم الله "المؤمن"

ورد اسمه سبحانه (المؤمن) في القرآن الكريم مرة واحدة
وذلك في قوله تعالى: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } ... الآية [الحشر: 23]،

المعنى اللغوي (للمؤمن)
له معنيان:
الأول: المصدِّق.
قال الزجاج: "أصل الإيمان: التصديق والثقة.

الثاني: "من الأمان كما يقول: آمن فلانٌ فلانًا أي: أعطاه أمانًا ليسكن إليه ويأمن،

فكذلك أيضًا: (الله المؤمن) أي: يؤمِّن عباده المؤمنين فلا يأمن إلا من آمنه".


معنى هذا الاسم الكريم في حق الله تعالى

أولاً: تعلقه بالمعنى الأول "المصدق": ومن معانيه في حق الله - عز وجل - ما يلي:

1- أنه يصدق نفسه بتوحيده وصفاته،
كما قال عزّ من قائل: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قائما بِالْقِسْطِ } [آل عمران: 18].
فقد شهد سبحانه لنفسه بالوحدانية، وهذه الشهادة أعظم شهادة: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً } [الأنعام: 19]،
فليس فوق شهادة الله شهادة، فهي أعظم من شهادة ملائكته، ورسله، وأنبيائه، ومخلوقاته له بالشهادة.

2- تصديق الله رسله وأنبياءَه وأتباعهم،
فمن ذلك ما أنزله الله من الآيات البينات التي دلت على صدقهم، ومن ذلك ما يظهره على أيدي المؤمنين،

ومنها: ما يريه أعداءَه من نصرة المؤمنين، فقد يرى الكفرة الملائكة تقاتل مع المؤمنين،
ومنها: أن الكفرة قد يدعون الله أن ينصر المحق، فينصر الله المؤمنين، وغير ذلك مما يصدق به رسله وأتباعهم.

ومن ذلك: إيقاع العذاب بالمجرمين والطغاة،أعداء الرسل فإن وقوع العذاب بهم تصديق من الله - عز وجل - لرسله.

3- تصديق الله عباده المؤمنين في يوم الدين، فالله يسأل الناس في يوم القيامة، ويصدق المؤمنين بإيمانهم، ويكذب الكفرة والمجرمين، فيُشْهِد عليهم أعضاءَهم، فتشهد. ويصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب، ومصدق ما أوعدهم من العقاب.

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
تابع من معاني اسم المؤمن في حق الله عزوجل

ثانيًا: تعلقه بالمعنى الثاني المشتق من (الأمان): وفيه من المعاني ما يلي:

1- أنه الذي يُؤَمِّنُ خلقه من ظلمه
وقد ذكر هذا المعنى ابن جرير في تفسيره وقال: "قال الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
(المؤمن) أي: أمن خلقه من أن يظلمهم".

2- أنه الذي يهب عباده المؤمنين الأمن في الدنيا بالطمأنينة والأنس الذي يجدونه في قلوبهم بفعل الإيمان به سبحانه وتوحيده.

3- أنه الذي يؤمن خوف عبده الذي لجأ إليه بصدق في كشف كربته وتأمين خوفه.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "والمضطر إذا صدق في الاضطرار إليه: وجده رحيمًا مغيثًا، والخائف إذا صدق في اللجوء إليه: وجده مُؤمِّنا من الخوف".

4- أنه الذي يؤمن عباده المنقادين لشرعه بما يشرع لهم من الأحكام والحدود
التي يأمنون فيها على دينهم، وأنفسهم، وعقولهم، وأعراضهم، وأموالهم سواء على مستوى الفرد، أو الأسرة، أو المجتمع بحيث يعيش الجميع في أمن وسلام في ظل أحكام الله - عز وجل - والتي هي أثر من آثار اسمه (السلام المؤمن).

5- أنه الذي يؤمن عباده يوم الفزع الأكبر من مخاوف يوم القيامة ومن عذاب النار،
قال الله تعالى عن عباده المؤمنين: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [الأنبياء: 101، 103]،
وقال سبحانه عن أثر الإيمان في تحقيق الأمن في الدنيا والآخرة:
{ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) } [الأنعام: 82] (2)1).

6- أنه الذي يؤمن عباده المؤمنين عند نزول الموت حال الاحتضار بأن يسمعوا تطمين ملائكة الرحمة لهم وتبشيرهم بالجنة، وتأمين خوفهم وحزنهم،
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } [فصلت: 30-32].

7- أنه الذي يؤمن لجميع عباده، بل جميع خلقه، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم،
كل ما يأمن بقاء حياتهم إلى الأجل الذي أجل لهم بتوفير رزقهم ودفع الغوائل عنهم.

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم ( المؤمن(

1- محبة الله - عز وجل - الذي يأمن الخائفون في كنفه، ويطمئن المؤمن بالإيمان به وعبادته وحده،
فلا يخاف أحدٌ ظُلْمَه سبحانه،
بل إن رحمته سبقت غضبه، ورحمته وسعت كل شيء
فيحصل من جراء ذلك الأمن النفسي، والسعادة القلبية، والتعلق بالله وحده، ومحبته وإجلاله، وكثرة ذكره وشكره،
واللجوء إليه وحده سبحانه في طلب الأمان وذهاب الخوف والفزع في الدنيا والآخرة؛

لأنه لا يملك تثبيت القلوب وفتح الرحمة والأمان عليها إلا الله تعالى،

قال - عز وجل -: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) } [فاطر: 2].

2- زيادة الإيمان والتصديق في القلب،
وذلك برؤية آثار اسمه سبحانه (المؤمن) الذي منها:

تصديق نفسه سبحانه وإقامة البراهين الواضحة الدالة على توحيده وتفرده سبحانه بالربوبية والألوهية وكمال الأسماء والصفات.
ومنها: تصديق الله - عز وجل - لأنبيائه ورسله بما يظهر على أيديهم من المعجزات والدلائل الباهرة على صدقهم وصدق ما يدعون إليه.
ومن ذلك اليقين بصدق وعد الله تعالى لعباده المؤمنين بالنصر في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.

3- الاغتباط بأحكامه سبحانه وشريعته الكاملة الشاملة التي تكفل الخير والسعادة والأمن الشامل لكل الضروريات الخمس
التي يعيش الناس بالمحافظة عليها في أمن شامل في أنفسهم وبيوتهم ومجتمعاتهم،
بل هو أمان للبشرية بأسرها لو أخذت به، وخضعت لأحكامه،
بل هو أمان في الآخرة من عذاب الله تعالى
وهذا الاغتباط يثمر في قلب المؤمن سرورًا وفرحًا بهداية الله - عز وجل - له إلى ذلك،
كما يثمر همة وعزيمة ونشاطًا إلى الدعوة إلى هذا الدين القويم، وتبليغه للناس لعلهم يدخلون فيه فينعمون بخيره وأمنه في الدنيا، وبجنة النعيم في الآخرة والتي لا خوف على أهلها ولا هم يحزنون،

ويلزم على هذا جهاد الكفار المفسدين الذين يريدون أن يحولوا بين الناس وبين هذا الدين الذي كله أمن وسلام.


ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

4- الصبر على المصائب والمكاره؛
لأن المؤمن يعلم أنها من عند الله الرحيم الحكيم الذي يُؤَمِّنُ عباده من ظلمه،
والذي يجعل فيما يصيب المؤمن خيرًا له وأمنًا في عاقبة أمره وأجله.
والله سبحانه لم يبتل العبد ليعذبه، بل ليرحمه ويهذبه.

5- سلامة القلب نحو عباد الله تعالى وتأمينهم من العدوان والغوائل.
فالمتعبد حقًا باسمه سبحانه (المؤمن) يتصف بصفة السلامة ويكف شره وأذاه عن الناس بحيث يأمن الناس شره.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!
قيل: من يا رسول الله؟
 قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه)،

وقال أيضًا:
(المسلم من سلم الناس من لسانه ويده،
والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم).

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل


تعظيم أسماء الله [العلي، الأعلى، المتعال]

جاء ذكر هذه الأسماء الحسنى في ثمان آيات،
ودليل اسمه سبحانه (العلي)، قوله تعالى:
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) } [البقرة]،
وأما دليل اسمه سبحانه: (الأعلى)، قوله - عز وجل -: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) } [الأعلى]،
وأما دليل اسمه سبحانه (المتعالي) قوله سبحانه:
{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) } [الرعد].
واشتقاق هذه الأسماء واحد، ومعناها متقارب.
المعنى في حق الله تعالى:

الله - تبارك وتعالى - له جميع أنواع العلو، ومن أنكر شيئًا منها، فقد ضل ضلالاً بعيدًا،
وقد جاءَت النصوص بإثبات أنواع العلو لله، وهي:
1- علو الذات، فالله - تبارك وتعالى - مستو على عرشه، وعرشه فوق مخلوقاته،
كما قال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [يونس: 3].

والله مستو على عرشه فوق عباده،
كما قال تبارك وتعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18].

2- علو القهر والغلب،
كما قال تعالى: { هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) } [الزمر:4].
فلا ينازعه منازع، ولا يغلبه غالب،
وكل مخلوقاته تحت قهره وسلطانه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن ،
وقد وصف الحق - تبارك وتعالى - نفسه بصفات كثيرة تدل على علو القهر والغلب
كالعزيز، والقوي، والقدير، والقاهر والغالب ونحو ذلك.
قال سبحانه: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18].

3- علو المكانة والقدر، وهو الذي أطلق عليه القرآن: "المثل الأعلى"
كما في قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } [النحل: 60]،

فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره،
فالله هو الإله الواحد الأحد،
وهو متعال عن الشريك والمثيل والند والنظير:
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد (4) } [الإخلاص: 1- 4].

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان بهذه الأسماء الحسنى ( العلي الأعلى المتعال(

1- الخضوع لله تعالى والإخبات، والتذلل له مع محبته وتعظيمه وإجلاله،
وهذان هما ركنا العبودية لله تعالى
إذ إن حقيقة العبودية لله تعالى إنما تنشأ من غاية الحب لله تعالى مع غاية التذلل له.

والمقصود أن الإيمان بعلو الله - عز وجل - ذاتًا وقدرًا وقهرًا يورث في النفس خضوعًا وإخباتًا لمن هذه صفاته،
ولذا لمَّا نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) } [الأعلى: 1]،
قال صلى الله عليه وسلم : (ضعوها في سجودكم).

وعن سر ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه،
كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لا يليق به مما يضاد عظمته وعلوه".

2- التواضع لله تعالى ولما أنزل من الحق،
لأن الإيمان بعلوه سبحانه وقهره لعباده
يورث في القلب تواضعًا وحياءً،
وتعظيمًا لله تعالى وأوامره ونواهيه،
ورضًا بأحكامه القدرية والشرعية،
وإذعانه للحق إذا بان له وعلم أنه من عند الله تعالى وتقدس
ولا يرد أحد الحق ويؤثر الباطل عليه إلا حين يغفل عن آثار أسماء الله - عز وجل - الحسنى، ومنها الأسماء التي فيها إثبات العلو، والعظمة، والملك، والحكمة لله تعالى.

3- الحذر من العلو في الأرض بغير الحق،
وتجنب ظلم العباد والتكبر عليهم وقهرهم والعدوان عليهم.
ولا ينجو من ذلك إلا من تذكر علو الله تعالى وقهره وأن العبد مهما علا وظلم وقهر فإن الله (العلي المتعال) فوقه، يراه يقتص للمظلومين ممن ظلمهم.

وما من جبَّار علا في الأرض وتجبر إلا وقصمه الله تعالى وأهلكه.💡

4- الخوف من الله وحده وتخلص القلب من الخوف من المخلوق الضعيف.
فمهما أوتي المخلوق من قوة وعلو في الأرض فإن الله - عز وجل - فوقه مكانًا وقدرًا وقهرًا،

وكلما تذكر العبد علو الله تعالى على خلقه وعظمته وكبريائه تمحض الخوف له سبحانه وحده، وتخلص من الخوف من المخلوق الضعيف.

5- تنزيهه - سبحانه وتعالى - عن كل نقص في ذاته وصفاته وأفعاله،
وإثبات صفات الكمال له سبحانه وحمده على ذلك،
ولذا نجد في القرآن الكريم أن قوله: (تعالى) يقرن كثيرًا بقوله: (سبحانه)
كما في قوله عز وجل:
{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) } [الإسراء: 42، 43].

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل



تعظيم اسم الله"الحميد"

ورد اسمه سبحانه (الحميد) في القرآن الكريم في سبع عشرة آية،

معنى اسم "الحميد" في حق الله سبحانه وتعالى

قال الخطابي:
"(والحميد) هو المحمود الذي استحق الحمد بأفعاله، وهو فعيل بمعنى مفعول،
وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط، ولا يعترضه الخطأ فهو محمود على كل حال".

الحمد روح كل شئ

ويقول ابن القيم - رحمه الله تعالى :-

في آثار حمده في ملكه، وأن الملك والحمد في حقه متلازمان كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث: (له الملك وله الحمد).
فيقول...:
(والملك والحمد في حقه متلازمان فكل ما شمله ملكه وقدرته شمل حمده،
 فهو محمود في ملكه، وله الملك والقدرة مع حمده، فكما يستحيل خروجُ شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته،
ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأمره، لينبّه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده ،
فهو محمودٌ على كلّ ما خلقه وأمر به
حمد شكر وعبودية
وحمد ثناءٍ ومدح،
ويجمعهما التبارك، فتبارك الله يشمل ذلك كله، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب
قوله: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) } [الأعراف: 54].

فالحمدُ أوسع الصفات وأعمّ المدائح، والطرق إلى العلم به في غاية الكثرة، والسبيل إلى اعتباره في ذرّات العالم وجزئياته، وتفاصيل الأمر والنهي واسعة جدًا؛
 
لأنَّ جميع أسمائه- تبارك وتعالى - حمد، وصفاته حمد، وأفعاله حمد، وأحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمده، ووجد بحمده وظهر بحمده،

وكأن الغاية هي حمده روح كلّ شيء، وقيام كل شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات...

وقد نبَّه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأن حمد نفسه في أول الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع،

حمد نفسه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرُّده بالإلهية وعلى حياته،
وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليقُ بكماله؛ من اتّخاذ الولد والشّريك، وموالاة أحدٍ من خَلْقه لحاجته إليه،
وحمد نفسه على علوّه وكبريائه، وحمد نفسه في الأولى والآخرة، وأخبر عن سريان حمده في العالم العلويّ والسّفلي، ونبَّه على هذا كله في كتابه، وحمد نفسه عليه .


ولله اﻷسماء الحسنى -عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الحميد(

1 محبة الله - عز وجل - محبة عظيمة صادقة لا يشاركه فيها أحد من الخلق،
وهذه المحبة بدورها تثمر عبوديات أخرى في القلب، كالإخلاص لله تعالى والحياء والأدب مع الله - عز وجل -
وعبوديات اللسان والجوارح بالقيام بأوامره، واجتناب نواهيه، والتقرب إليه بطاعته.

2 كثرة ذكره سبحانه وشكره، وبخاصة بالأذكار التي تتضمن حمده سبحانه
والثناء عليه بالثناء الحسن الذي هو أهل له آناء الليل وأطراف النهار، وعمل اليوم والليلة.

3 اليقين بأن الله - عز وجل - هو المستحق للحمد كله على الإطلاق كما
قال سبحانه عن نفسه: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } واللام في (الحمد) للاستغراق،
 أي: هو الذي له جميع المحامد بأسرها، وليس ذلك لأحد إلا لله تعالى ولا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه،

فهو الحميد في ذاته وصفاته وفي أسمائه وفي أفعاله،
 فله الحمد على كل حال، في كل زمان ومكان، في الشدة والرخاء، والعسر واليسر،
وأما ما ينسب إلى المخلوق من الحمد فهو جزئي، وحقيقته أنه داخل في حمد الله - عز وجل -
فما من محمود يحمد على شيء مما دق أو جل إلا والله المحمود عليه بالذات والأولوية.
وهذا اليقين يثمر في قلب المسلم القبول التام، والاستسلام المطلق لأحكام الله الشرعية.
واليقين أنها كلها خير ومصلحة وحكمة، ولو لم ندرك حكمة بعضها،
لكن الله تعالى يحمد عليها لما يعلمه سبحانه من الحكمة والخير فيها لعباده،
وكذلك أحكامه سبحانه القدرية فما كنا فيها مأمورين بمدافعتها بالأسباب الشرعية دافعنا،
له الحمد في كل ما خلق في هذا الكون من ناطقه وجامده،
 وله الحمد على ذلك كله ولو لم ندرك حكمته سبحانه في خلق كثير منها.
كما أن له الحمد في أحكامه الجزائية في الدنيا ويوم القيامة؛ لأنها كلها فضل ورحمة أو عدل وحكمة، وهذه مما يحمد الله -عز وجل- عليها.

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل




تعظيم اسم الله "المجيد"

ورد اسمه سبحانه (المجيد) في القرآن الكريم مرتين وذلك في
قوله تعالى: { رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) } [هود: 73].
قوله تعالى: { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) } [البروج: 14، 15]،

 كما جاء اسم (المجيد) وصفًا للقرآن الكريم الذي هو كلام الله - عز وجل -
فقال تبارك وتعالى: { ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) } [ق: 1]،

معنى اسم "المجيد" في حق الله تعالى:

قال الأزهري: "الله تعالى هو المجيد، تمجد بفعاله، ومجده خلقه لعظمته".

وقال ابن القيم : "وصف نفسه بـ(المجيد) وهو: المتضمن لكثرة صفات كماله وسعتها، وعدم إحصاء الخلق لها،
 وسعة أفعاله وكثرة خيره ودوامه، وأما من ليس له صفات كمال ولا أفعال حميدة فليس له من المجد شيء،

والمخلوق إنما يصير مجيدًا بأوصافه وأفعاله
فكيف يكون الرب - تبارك وتعالى - مجيدًا وهو معطل عن الأوصاف والأفعال تعالى الله عما يقول المعطلون علوًا كبيرًا،
بل هو المجيد الفعال لما يريد، والمجد في لغة العرب: كثرة أوصاف الكمال وكثرة أفعال الخير"

وقال الشيخ السعدي:
"المجيد: الكبير العظيم الجليل، وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى،
وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه وإجلاله والخضوع له والتذلل لكبريائه".


ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (المجيد(

أولاً: محبة الله - عز وجل - الذي وسع خلقه بكرمه وفضله ورحمته!!

وهذا يلزم عليه عبادته وحده لا شريك له، والتعلق به وحده، وسؤاله قضاء الحوائج، وتفريج الكربات وحده
وترك التعلق بالمخلوق الضعيف الفقير بذاته إلى الله تعالى وإن كان فيه مجد أو كرم محدود فهو من جود الله تعالى وكرمه.

ثانيًا: تمجيده سبحانه واللهج بذكره، والثناء عليه بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير وسؤاله بأسمائه الحسنى،
لأن كل أسمائه وصفاته هي من باب التمجيد لله رب العالمين،

فقولنا: هو الله الواحد الأحد، الصمد، العزيز، الوهاب، الملك الأول، الآخر، الظاهر والباطن، الحميد، السميع، البصير؛
كل هذا من باب التمجيد لله الواحد الأحد.

ثالثًا: التقرب إلى الله - عز وجل - بطاعته والتماس مرضاته، والبعد عن معاصية ومساخطه،
وهذه هي حقيقة التقوى التي فيها الشرف والمجد والرفعة للعبد في الدنيا والآخرة.

قال الله - عز وجل -: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13]،

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (... ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)

فالله سبحانه (المجيد) لا يهب المجد والرفعة والذكر الحسن إلا لمن عبده ووحده، ومجده، واتقاه

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

تعظيم اسم الله "القوي المتين"

ورد اسمه سبحانه (القوي) في القرآن الكريم (تسع مرات)

قال الله عز وجل -: { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) } [الشورى: 19]،

معنى اسم "القوي" في حق الله عز وجل

قال الخطابي رحمه الله تعالى: "هو الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال،
والمخلوق وإن وصف بالقوة فإن قوته متناهية وعن بعض الأمور قاصرة".
وذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -
الفرق بين القدرة والقوة فقال:
"القدرة يقابلها العجز،
والقوة يقابلها الضعف،
والفرق بينهما أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره.

ثانيًا: أن القوة أخص فكل قوي من ذي الشعور قادر وليس كل قادر قويًا".


المتين
ورد اسمه سبحانه (المتين) مرة واحدة في القرآن الكريم

في قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) } [الذاريات: 58].

معناه في حق الله تعالى:
يفيد اسم (المتين) في حق الله تعالى: "المتناهي في القوة والقدرة.

وقال الخطابي: " (والمتين) الشديد القوي الذي لا تنقطع قوته ولا تلحقه في أفعاله مشقة، ولا يمسه لغوب".
"والمتانة تدل على شدة القوة لله تعالى فمن حيث إنه بالغ القدرة: (القوي)،
ومن حيث إنه شديد القوة: (متين)" .

وقال الطبري رحمه الله تعالى: "(ذي القوة المتين): أي ذي القوة الشديد".

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (القوي المتين)

أولاً: التواضع لله تعالى ولخلقه، والشعور بالضعف الشديد أمام قوة الله - عز وجل -

الذي لا يعجزه شيء، والتي خضع لها كل شيء فمهما أوتي المخلوق من ملك وقوة وسلطان ومال وأولاد
فهو ذليل ضعيف أمام قوة الله تعالى،
وهذا الشعور يثمر التواضع ومعرفة قدر النفس، والبعد عن إيذاء الخلق وظلمهم والاعتداء عليهم، وينفي العجب بالنفس وقوتها وغرورها.

ثانيًا: التوكل على الله وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإذا أراد أمرًا فلا راد لأمره،
فهو سبحانه الذي يجب التوكل عليه وحده؛ لأنه وحده القوي العزيز الذي لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قال الله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } (217) [الشعراء: 317].

ثالثًا: الاستهانة بقوة المخلوق، والثقة في نصر الله - عز وجل - وكفايته للمؤمنين فمهما بلغت قوة الكافرين وعددهم وعتادهم فالله فوقهم،
ونواصيهم بيده وقوتهم لا شيء في جنب قوة الله تعالى، لكن بشرط الأخذ بأسباب النصر والعزة،

قال الله - عز وجل -: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَن اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) } [فصلت: 15 - 16].

رابعًا: الشعور بالعزة وعدم الخوف من المخلوق؛ لأنه ضعيف لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكه لغيره.
كما قال ذلك العالم المجاهد الذي دخل على أحد السلاطين الظلمة فأمره ونهاه،
فلما قيل له: ألم تخف سطوته؟
قال: تذكرت عظمة الله تعالى وقوته فكان أمامي كالهر.

خامسًا: التبرؤ من الحول والقوة، حيث لا قوة للعبد على طاعة الله - عز وجل - وترك معاصيه، والصبر على أحكامه القدرية إلا بقوة الله - عز وجل -
وتوفيقه ولو وكل العبد إلى نفسه وحوله وقوته لضاع وهلك وخسر،

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس:
(يا عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله)،

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل


تعظيم اسم الله[القاهر]، [القهار]

جاء ذكر اسمه سبحانه (القاهر) مرتين في القرآن الكريم منها:-

 قوله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) } [الأنعام: 180]،

أما اسمه سبحانه (القهار) فورد ذكره في القرآن الكريم ست مرات كلها مقترن فيها باسمه سبحانه (الواحد) ومن ذلك:
قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) } [الرعد: 16]،

معناه في حق الله تعالى:

قال ابن كثير رحمه الله:
"وهو القاهر فوق عباده" أي: هو الذي خضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه وقهر كل شيء،
ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمته وجلاله وكبريائه وعلوه وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه".

يقول ابن القيم:- "لا يكون القهار إلا واحدًا، إذ لو كان معه كفؤ له فإن لم يقهره لم يكن قهارًا على الإطلاق، وإن قهره لم يكن كفؤًا، فكان القهار واحدًا"

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "القهار لجميع العالم العلوي والسفلي، القهار لكل شيء الذي خضعت له المخلوقات وذلت لعزته وقوته وكمال اقتداره".

وقال الخطابي: " (القهار): هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلهم بالموت".

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

من آثار الإيمان باسمه(القاهر) (القهار)

أولاً: (القاهر والقهار) لا يكون إلا واحدًا لا كفؤ له وإلا لم يكن قهارًا
ولذا اقترن اسمه سبحانه (القهار) باسمه سبحانه (الواحد) في كل الآيات.
والإيمان بهذا يستلزم إفراده سبحانه بالعبادة والإرادة والقصد،
فلا يجوز صرف شيء من ذلك لما سوى الله - عز وجل - من المخلوقين المربوبين المقهورين
كما قال - عز وجل -: { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) } [يوسف: 39].

ثانيًا: التعلق بالله وحده والتوكل عليه سبحانه، وقطع العلائق بالأسباب المقهورة مع فعلها؛
لأن حقيقة التوكل هي تمام الاعتماد على الله تعالى مع تمام الثقة بكفايته وإعانته،
وهذا لا يصرف إلا للواحد القهار،
أما المقهور فلا يتوكل عليه لعدم قدرته على الإعانة استقلالاً.

ثالثًا: تعظيم الله - عز وجل - والخوف منه وحده وسقوط الخوف من المخاليق الضعاف المقهورين المغلوبين من القلب،
سواء كان ذلك خوفًا على الرزق أو خوفًا على الأجل.

رابعًا: مستفاد من قوله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } الإيمان بصفة العلو لله تعالى على عباده بكل أنواع العلو:
علو الذات،
وعلو القهر،
وعلو المكانة والقدر.

خامسًا: اسم (القهار) خاص بالله تعالى فلا يصلح أن يسمى به المخلوق أو يوصف به،
بل هو صفة ذم للمخلوق لأنها في الغالب لا تكون إلا مصحوبة بالظلم والعدوان وخاصة مع الضعفاء،
ولذا نهى الله سبحانه عن قهر اليتيم بقوله: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) } [الضحى: 9].

سادسًا: شعور العبد بضعفه وذلته أمام قهر الله - عز وجل - وجبروته مما يكون له الأثر في تواضع العبد
واستكانته لربه الذي لا يكون شيء إلا بإرادته وأمره. يتمنى المرء أن يولد له فلا يولد، وأن لا يمرض فيمرض
وأن يستغني فيفتقر، كل ذلك بغلبة من الله وقهر يصده عن مراده، وذلك من آيات كمال القاهر، ونقص المقهور.

ولله اﻷسماء الحسنى- عبد العزيز الجليل


تعظيم اسم الله "الجبَّار"

جاء ذكر اسمه سبحانه (الجبار) مرة واحدة في القرآن الكريم
 في قوله تعالى: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) } [الحشر: 23].

معناه في حق الله تعالى:
قال الطبري رحمه الله تعالى: "(الجبار): يعني المصلح أمور خلقه المصرفهم فيما فيه صلاحهم.

قال الخطابي: يقال: جبره السلطان وأجبره بالألف، ويقال: هو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق،
ويقال: بل الجبار العالي فوق خلقه من قولهم: تجبر النبات: إذا علا واكتهل، ويقال للنخله التي لا تنالها اليد طولاً: الجبارة".

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "قال محمد بن كعب القرظي في اسم (الجبار) إنه سبحانه هو الذي جبر العباد على ما أراد"،

فالجبر بهذا المعنى: القهر والقدرة وأنه سبحانه قادر على أن يفعل بعبده ما شاء وإذا شاء منه شيئًا وقع ولا بد،
وإن لم يشأ لم يكن ليس كالعاجز الذي يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء".

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة).

فالجبار اسم من أسماء التعظيم كالمتكبر والملك والعظيم والقهار...

فالجبار في صفة الرب سبحانه ترجع إلى ثلاثة معان:
 الملك،
والقهر،
والعلو
فإن النخلة إذا طالت وارتفعت وفاتت الأيدي سميت جبارة".

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "الجبار: هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز ولمن لاذ به ولجأ إليه"،.

ومن خلال الأقوال السابقة لمعنى (الجبار) يتحصل لدينا المعاني التالية:

1- (الجبار) هو العالي على خلقه، وفعَّال من أبنية المبالغة.
2- (الجبار): هو المصلح للأمور من جبر الكسر إذا أصلحه وجبر الفقير إذا أعانه.
3- (الجبار) هو القاهر خلقه على ما يريد من أمر أو نهي،

 قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم{ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [ق: 45]،

أي: لست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى ولم يكلف بذلك،

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الجبار)

أوﻻ : تعظيم الله - عز وجل - والخوف منه والتوكل عليه وحده في طلب الهداية والتوفيق والسداد
لأنه المتفرد بتصريف أمور عباده
ولهذا كان من أذكاره صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود قوله: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة).

ثانيا: التواضع لله تعالى بقبول حكمه وما نزل من الحق؛
والتواضع للخلق وترك التجبر والتكبر عليهم.
لأن (الجبار) اسم خاص به سبحانه، وهو صفة كمال لله تعالى يمدح بها؛
لأن في جبروته سبحانه رحمة ونعمة؛
فبجبروته قهر الجبابرة وأذل الأكاسرة والفراعنة والطواغيت
وأنصف المظلومين من الظلمة،
ونصر جنده على المعاندين والكافرين الفجرة.

أما بالنسبة للمخلوق فهي صفة ذم وقدح ينهى عنها.
وقد ذم الله تعالى المتجبرين من خلقه وبين أنه سبب في الطبع على القلوب
كما في قوله تعالى: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جبار} {  غافر :35}

ثالثا: بما أن من معاني (الجبار) الذي يجبر كسر عباده ويغنيهم من الافتقار،
فإن هذه المعاني تثمر في قلب المؤمن محبة الله تعالى والانكسار بين يديه وطلب الحاجات منه وحده
ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم في الجلسة بين السجدتين: (اللَّهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني).

ولله اﻷسماء الحسنى -عبد العزيز الجليل