التعبد لله بأسمائه الحسنى في رمضان



علاقة الأسماء الحسنى بشهر رمضان 
يقول الشيخ صلاح العريفي في  خطبة (استشعار قلب الموحد في رمضان):- 

شهر رمضان بصيامه وقيامه وسائر طاعاته ،
ميدانٌ لسياحة قلب المؤمن في معاني جملةٍ من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى.

واستشعار معاني أسماء الله الحسنى والتعبد لله بمقتضى معانيها من أقوى
محققات التوحيد في قلب العبد ،
ومما يزيد القلب معرفة بالرب جل وعلا ،

وما أحوجنا إلى إعمال قلوبنا في عباداتنا ليعظم أثرها في حياتنا وعلى إيماننا .

وهناك أسماء لله حسنى ارتبطت بالصيام أو بشهر رمضان أكثر من غيرها من أسماء الله حري بقلب الموحد أن يستشعر معانيها .
▪▫انتهى▫▪

كيف نتعبد لله بأسمائه الحسنى في رمضان ؟

ما هي أكثر الأسماء التي نستشعرها في هذا الشهر الكريم؟

كيف يكون رمضان سببا للقرب من الرحمن ؟


   الحكم - الحكيم ▫▪

من أسماء الله الحسنى التي لها علاقة برمضان و يستشعرها الصائم الموحد بصيامه اسما(الحكم والحكيم)
فما معنى الحكيم 
وما علاقته بشهر رمضان 

أولا : وقفة مختصرة مع الإسم

▫▪الحكيم
"الحكيم في أفعاله وأقواله وقدره، فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله".

وللحكيم معنيان:
أحدهما: الحاكم الذي له الحكم المطلق الكامل من جميع الوجوه، والخلق كلهم محكومون،
 له الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله،
يحكم على عباده بقضائه وقدره،
ويحكم بينهم بدينه وشرعه،
ثم يوم القيامة يحكم بينهم بالجزاء بين فضله وعدله،
فلا حاكم إلا الله، ولا يجوز تحكيم قانون ولا نظام سوى حكم الله،
قال تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

وللحكيم معنى آخر، وهو ذو الحكمة، والحكمة ضد السفه، وهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها.

ولذلك كانت أحكام الله الكونية والشرعية والجزاء مقرونة بالحكمة ومربوطة بها،

فلم يخلق سبحانه شيئًا عبثًا،
ولم يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون،
فما أعطى الله شيئًا إلا لحكمة،
ولا أنعم بنعمة إلا لحكمة،
ولا أصاب بمصيبة إلا لحكمة،
وما أمر الله بشيء إلا لحكمة، والحكمة في فعله والتزامه،
ولا نهى عن شيء إلا لحكمة والحكمة في تركه واجتنابه.

قال تعالى مقررًا هذه الصفة العظيمة صفة الحكمة: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116].

 وللحكيم معنى ثالث وهو المحكم الذي أحكم كل شيء خلقه
فما في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض ولا خلل،
صنع الله الذي أتقن كل شيء
وليس في شرعه من تناقض ولا اختلاف،
قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82][3].

شرح اسم الحكيم - د. أمين بن عبد الله الشقاوي
  الحكم - الحكيم▫▪
ثانيا : علاقة اسم الحكيم برمضان

ذكرنا أن الحكيم له أكثر من معنى وبالنظر لها سنجد علاقة هذا الاسم بالشهر الكريم

فالحكيم له الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله، ويحكم بدينه وشرعه،

ومن شرعه أن فرض على المؤمنين الصوم في هذا الشهر

فالله جلا جلاله هو الذي حكم بفرضية الصيام على عباده ولا معقب لحكمه ، وواجبنا كمؤمنين التسليم والانقياد وربنا تبارك وتعالى أحكم الحاكمين
 (( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ))

والتسليم والانقياد لحكم لله يتحقق للصائم
عندما يصوم إيماناً بفرضية الصيام عليه وينوي صيام الشهر كله جازماً من أول دخوله.

ما حكم صوم رمضان ؟
من فتاوى ابن عثيمين رحمه الله:-

صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين،

قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }،البقرة

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس:
شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله،
وإقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة،
وصوم رمضان،
وحج بيت الله الحرام ".

وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيتموه فصوموا"،

وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض،
وأنه أحد أركان الإسلام،

فمن أنكر فرضيته كفر، إلا أن يكون ناشئاً في بلاد بعيدة، لا يعرف فيها أحكام الإسلام فيعرف بذلك،
ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر،
ومن تركه تهاوناً بفرضيته فهو على خطر، فإن بعض أهل العلم يرى أنه كافر مرتد، ولكن الراجح أنه ليس بكافر مرتد، بل هو فاسق من الفساق لكنه على خطر عظيم

تابع علاقة اسم (الحكيم ) برمضان



 ذكرنا من معاني الحكيم ،هو ذو الحكمة،وهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها.

 ولذلك كانت أحكام الله الكونية والشرعية والجزاء مقرونة بالحكمة ومربوطة بها،

فما أمر الله بشيء إلا لحكمة، والحكمة في فعله والتزامه،

فالله أمرنا بالصيام في شهر رمضان خاصة



فما الحكمة من اختيار شهر رمضان
وما علاقة الصيام بالقرآن
وما الحكمة من الصيام

ما الحكمة من اختيار شهر رمضان لفريضة الصوم
يقول ابن عاشور في تفسيره:-
 قال تعالى:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة البقرة : 185]
الشهر يبتدىء من ظهور الهلال إلى المحاق ثم ظهور الهلال مرة أخرى ،
وهو مشتق من الشهرة لأن الهلال يظهر لهم فيشهرونه ليراه الناس فيثبت الشهر عندهم .

ورمضان علَم على الشهر التاسع من أشهر السنة العربية القمرية المفتتحة بالمحرم؛

أن مراد الله تعالى من الأمة صوم ثلاثين يوماً متتابعة مضبوطة المبدأ والنهاية متحدة لجميع المسلمين .

ولما كان ذلك هو المراد وُقِّتَ بشهر معيَّن وجعل قمرياً لسهولة ضبط بدئه ونهايته برؤية الهلال والتقدير ،

واختير شهر رمضان من بين الأشهر لأنه قد شُرف بنزول القرآن فيه ،
فإن نزول القرآن لما كان لقصد تنزيه الأمة وهداها ناسب أن يكون ما به تطهير النفوس والتقرب من الحالة المَلَكية واقعاً فيه ."

ما علاقة الصوم بالقرآن



ويدفعنا التأمل هنا إلى السؤال عن السبب الذي من أجله لم تخصص مناسبة بدء نزول القرآن الكريم بعبادة أخرى من العبادات بدلاً بالصوم؟ 



وهنا يجدر بنا الرجوع قليلاً إلى ذلك الحدث العظيم في حياة البشر، وهو بدء نزول القرآن الكريم،



فلأجل هذا الحدث العظيم بدأ إعداد النبي الذي سيتلقى القرآن الكريم،

وكان من هذا الإعداد القدري أمور قريبة الشبه بعبادة الصوم والاعتكاف،
حيث حُبب لرسول الله تعالى الخلوة،
وصار يخرج إلى غار حراء الليالي ذوات العدد كل عام،
ليتفكر في خلق السماوات والأرض ويتعبد، حتى جاءه الوحي في شهر رمضان.

وتتجلى هنا روعة المناسبة بين القرآن والصوم،

فالرسول صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه القرآن هيأه بالخلوة والبعد عن الشهوات
ليستعد لتلقي كلامه _سبحانه وتعالى_،

فكانت المناسبة الزمنية وهي نزول القرآن مرتبطة أشد الارتباط بالعبادة التي شُرعت فيها،

فالصوم يجلو الفكر،
ويصفي القلب، ويقرب من الرب،
ويعين على تدبر القرآن الكريم وفهمه، والاستفادة من آياته و مواعظه.

مقال: الحكمة في زمان الصيام - محمد فهمي -موقع المسلم
الحكمة من فرض الصيام في المدينة 

ويبقى أن نتساءل عن الحكمة من عدم فرض صوم رمضان في مكة وفرضه في المدينة بعد الهجرة!

ومع أنه لا يمكن الجزم بشيء هنا، فإن هذا لا يمنع الاجتهاد في معرفة الحكمة والبحث عنها،

ولعل السبب وراء ذلك أن مكة كانت بالنسبة إلى المسلمين وقتها محل فتنة وبلاء شديد،
 ▪فلما أمن المسلمون في المدينة، وتبدل الابتلاء من عدو يقعون تحت سطوته وفتنته إلى ابتلاء في الشهوات؛
كان هذا الوقت مناسباً لبدء فريضة الصوم؛ ليكون وقاية لهم من الوقوع تحت سطوتها،
ولا سيما وهم مقبلون على فريضة كبيرة تحتاج إلى إعداد خاص
وهي فريضة الجهاد في سبيل الله،
والتي يمثل الصبر فيها عاملاً مهماً من عوامل الثبات،

مقال: الحكمة في زمان الصيام - محمد فهمي -موقع المسلم
الحكمة من ارتباط الصوم بالتوقيت القمري 

وحين نمعن النظر في جانب آخر للحكمة الزمنية لشهر الصوم نجد أن الصوم ارتبط بالتوقيت القمري،
 وفي ذلك حكم تدل على رحمة الله تعالى بعباده، ورفقه بهم، وأنه سبحانه لا يشرع لهم إلا ما فيه الخير والصلاح،

فرَبْط الصوم بالشهر القمري يجعله متجدداً في جوه ووقته فلا يكون دوماً في فصل واحد من فصول العام،
ولكن يدور في جميع الفصول على مدى 33.58696  سنة هجرية أو 32.58696  سنة ميلادية،
وهذا يتيح التنوع في العبادة، فلا يرتبط أداؤها بجو واحد لا يتغير أبداً، أو ظروف واحدة لا تتبدل،
بل يتنوع جو الشهر من عام لآخر، حتى ينتقل شهر رمضان بعد مرور سنوات إلى فصل شمسي جديد.
كما يتنوع النهار في شهر رمضان طولاً وقصراً بهذا التنقل بين الفصول الأربعة،
ويتنوع الطعام بحسب مواسم السنة الشمسية التي يمر بها شهر رمضان.

والتنوع, سواء في جنس العبادات أو في وقتها, أو في بعض أحوال العبادة الواحدة أو سننها, من الصفات الواضحة في العبادات المشروعة،

ومن جهة أخرى؛ يمكن أن يقال إن العبادات في الإسلام بُني أداؤها على حساب السنة القمرية، لأن هذا التشريع منزل للناس في كل أنحاء الأرض,
سواء سكان المناطق الحارة أو سكان المناطق الباردة،

فلو ربط الحج مثلاً بالسنة الشمسية وشرع في فصل الصيف لشق ذلك على كثير من الناس، وخصوصاً بعض من يعيشون في المناطق الباردة، لأن فصل الصيف سيكون هو دوماً وقت أداء الحج،

ولو رُبط ركن الصوم بشهر من شهور السنة الشمسية في فصل الشتاء،
فإن فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي يكون عند سكان نصف الكرة الجنوبي هو فصل الصيف، فيكون بذلك رمضان عندهم أبداً في فصل الصيف، وعند سكان الشمال دوماً في فصل الشتاء،
وهذا ما لا يتفق مع المساواة في التكليف والرحمة التي جاءت بها الشريعة للعالمين،

ولهذا ربطت العبادات كصوم رمضان بالسنة القمرية التي تمر على جميع الفصول الشمسية ليكون الناس في تأديتهم للعبادات واقعين تحت ظروف طقسية متنوعة في نفسها,
ومتشابهة إلى حد كبير فيما بينهم.

مقال: الحكمة في زمان الصيام - محمد فهمي -موقع المسلم
من حكم الصيام 

1منْ حِكَمِ الصيام أنَّه عبادةٌ لله تعالى يَتَقَرَّبُ العبدُ فيها إلى ربِّه بتْركِ محبوباتِه ومُشْتَهَياتِه منْ طعام وشرابٍ ونِكاح،

فيظْهرُ بذلك صدقُ إيْمانِه
 وكمالُ عبوديتِه لله
وقوةُ مَحَبَّته له ورجائِه ما عنده.

فإنَّ الإِنسانَ لا يتركُ محبوباً له إلاَّ لمَا هو أعْظَمُ عنده مِنه.

ولما عَلِمَ المؤمنُ أن رضَا الله في الصِّيام بترك شهواته المجبول على محبَّتِها
قدَّمَ رضَا مولاه على هواه فَتَركها أشدَّ ما يكونُ شوقاً إليها لأنَّ لذتَه وراحةَ نفْسِهِ في تْركِ ذلك لله عزَّ وَجلَّ،

ولذلك كان كثيرٌ من المؤمنين لو ضُربَ أو حُبسَ على أن يُفْطر يوماً من رمضانَ بدونِ عُذْرٍ لم يُفطِرْ.

وهذه الحكمةُ من أبلغ حِكمِ الصيامِ وأعظمِها.

2ومنْ حِكَمِ الصيام أنه سببٌ للتَّقْوى
كما قال سبحانه وتعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183].

فإنَّ الصَّائِمَ مأمُورٌ بفعل الطاعاتِ واجتناب المعاصي
كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «منْ لَم يَدعْ قول الزورِ والعملَ به والجَهلَ فليس لله حاجةٌ في أنَّ يَدعَ طعامَه وشرابَه»، رواه البخاري.

وإذا كان الصائمُ متلبساً بالصيامِ فإنَّه كلَّما همَّ بمعصيةٍ تَذكَّر أنَّه صائمٌ فامتَنعَ عنها.

ولهذا أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم الصائمَ أنْ يقولَ لمَنْ سابَّه أو شاتَمَه: إنِي امْرؤٌ صائمٌ،

 تَنْبيهاً له على أنَّ الصائمَ مأمورٌ بالإِمساك عن السَّبِّ والشَّتْمِ،
وتذكيراً لنفْسِه بأنه متلبسٌ بالصيام فيمتنعُ عن المُقابَلةِ بالسبِّ والشتم.

مجالس شهر رمضان - ابن عثيمين

3ومن حِكَم الصيامِ أن القلب يتخلَّى للفِكْرِ والذِّكْرِ،

لأنَّ تَناوُلَ الشهواتِ يستوجبُ الْغَفْلَةَ ورُبَّما يُقَسِّى القلبَ ويُعْمى عن الحقِّ،
ولذلك أرشَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إلى التخفيفِ من الطَّعامِ والشراب،

فقال صلى الله عليه وسلّم: «مَا مَلأ ابنُ آدمَ وِعَاءً شرّاً من بطنٍ، بحَسْبِ ابن آدمَ لُقيْماتٌ يُقمن صُلْبَه، فإِن كان لا مَحالَةَ فَثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنفسِهِ» رواه أحمد والنسائيُّ وابن ماجة.

وفي صحيح مُسْلمٍ أنَّ حْنَظلَة الأسُيديِّ ـ وكان منْ كتَّاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم ـ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم: نَافَق حنظلةُ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وما ذَاك؟»
قال: يا رسولَ الله نكونُ عندك تُذكِّرُنا بالنارِ والجنةِ حتى كأنَّا رأيُ عينٍ فإذَا خَرجنا من عندك عافسْنَا الأزْواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ فَنسِيْنا كثيراً. (الحديث) وفيه: «ولكن يا حنظلةُ ساعةً وساعة» ثلاث مرات.

وقال أبو سليمان الداراني: إن النفسَ إذا جاعت وعطِشَت صَفَا القلب وَرَقَّ وإذا شبِعت عميَ القلب.

4ومنْ حِكَمِ الصيامِ أنَّ الغنيَّ يَعرفُ به قدْرَ نعمةِ الله عليه بالغِنَى حيثُ أنعمَ الله تعالى عليه بالطعامِ والشرابِ والنكاح وقد حُرِمَهَا كثيرٌ من الْخلْق
فَيَحْمَد الله على هذه النِعمةِ ويشكُرُه على هذا التَّيسيرِ،
ويذكرُ بذلك أخَاه الفقيرَ الذي ربَّما يبيتُ طاوياً جائِعاً فيجودُ عليه بالصَّدَقةِ يكْسُو بها عورتَه ويسُدُّ بها جَوعتَه.
ولذلك كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أجْوَدَ الناسِ وكان أجْودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريلُ فيُدارِسُه القرآنَ.


مجالس شهر رمضان - ابن عثيمين

5ومن حِكَمِ الصيامِ
التَّمرُّنُ على ضَبْطِ النَّفْسِ، والسَّيْطرةُ عليها،
والْقوَّةُ على الإِمساكِ بزِمَامِهَا حتى يتمكنَ من التحكم فيها ويقودَها إلى ما فيه خيرُها وسعادتها،

فإنَّ النَّفس أمَّارةٌ بالسوءِ إلا ما رَحِمَ ربي،
فإذا أطلقَ المرءُ لنَفْسِهِ عنَانها أوقعتْهُ في المهالك

وإذا ملَكَ أمْرَها وسيْطر عليها تمكَّنَ من قيادتِها إلى أعلى المراتب وأسْنَى المَطَالب.

6ومن حِكَمِ الصيام
كسْرُ النفْس والحدُّ من كِبريائِها
حتى تخضعَ للحق وتَلِيْنَ للخَلْق،

فإنَّ الشَبعَ والرِّيَّ ومباشرةَ النساءِ
يَحمِلُ كلٌ منها على الأشَرِ والْبَطرِ والعُلوِّ والتكبُّر على الخَلْقِ وعن الحقِّ.

وذلك أنَّ النفسَ عند احتياجِها لهذه الأمورِ تشغلُ بتحصيلِها
فإذا تَمكَّنتْ منها رأتْ أنَّها ظَفِرتْ بمطلوبها
فيحصلُ لها من الفَرحِ المذمومِ والبطرِ ما يكونُ سبباً لِهلاكها،
والمَعْصومُ مَنْ عَصَمَه الله تعالى.

مجالس شهر رمضان - ابن عثيمين

7ومن حِكَمِ الصيامِ
أنَّ مجارِيَ الدَّم تضيقُ بسببِ الجوع والعطشِ
فتضيقُ مَجارِي الشيطانِ من الْبَدنِ فإنَّ الشيطانَ يَجْري مِن ابن آدَمَ مجْرَى الدم،

كما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم،

فتسْكُنُ بالصيامِ وَسَاوسُ الشيطانِ،
وتنكسرُ ثَورةُ الشهوةِ والغضبِ،

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«يا مَعْشَر الشباب مَن استطاع منكم الْبَاءةَ فلْيتزوجْ فإنَّه أغَضُّ للبَصر وأحْصَنُ لِلفَرْجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وِجاءُ»، متفق عليه.

فجعل الصوم وجاء لشهوة النكاح وكسراً لحدتها.

8ومنْ حِكَمِ الصيامِ
ما يترتَّبُ عليه من الفَوائدِ الصِّحِّيَّةِ الَّتي تحصل
بتقليل الطعامِ
وإراحَةِ جهازِ الهضْم لمدةٍ معينةٍ
وترسُّبِ بعضِ الرطوباتِ والفضلات الضَّارَّةِ بالجسْمِ وغير ذلك.

فما أعظمَ حكمةَ الله وأبلَغَها، وما أنفعَ شرائعَه للخلق وأصلحَهَا.

اللَّهُمَّ فقِّهْنا في ديِنك وألهمنا معرفةَ أسرارِ شريعتِك.

وأصْلحِ لنا شُؤون ديننَا ودنيانا، واغْفِرْ لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمينَ برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين
وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبه أجمعين.

مجالس شهر رمضان - ابن عثيمين

صوموا لعلكم تتقون 

 غاية الصيام تقوى الله عز وجل.
تقوى يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى.

ولئن كانت فرائض الإسلام وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها سبيل التقوى،
فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب.

أيها الإخوة، جوارح الإنسان عين وأذن ويد ولسان، وبطن وفرج، والقلب من ورائها أصلها وحاكمها.

صام القلب واتقى
إذا جرد العبودية لله وحده، خضع لجلاله، وسعى لقربه، وأنس بمناجاته.
خلص من الشرك، وسلم من البدع، وتطهر من المعاصي.

قلب تقي يرى الهوى والشهوة والظن والبغي،

والعداوة والبغضاء، والغل والحسد والجدل والِمراَء
أمراضًا قلبية فتاكة تقتل الأفراد وتهلك الأمم.
القلب التقي يرفضها ويأباها ويتقيها ويتقيَّؤُها،
وصيامه ينفيها ويجفوها.

قلب صائم متدين لله بالطاعة،
مستسلم له بالخضوع والاستجابة،
منقاد لتنفيذ الشرع في الأمر والنهي.

عبودية لله خالصة لا يصرفه عنها شهوة ولا شبهة، ولا يشوش عليه فيها أمان ولا طمع،

قلب قوي تقي،
لله صلاته وصيامه ونسكه ومحياه ومماته
 ((فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)).

وإذا صلح القلب صلحت الجوارح،
فقامت بحق الطاعة وكفت عن الآثام.
فالبطن محفوظ وما حوى، ترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله،
تقىً عالٍ يقي النفس جماح غرائزها،
وإرادة مستعلية مستحكمة تأخذ أمر ربها بقوة، وتزدجر عن النواهي باستسلام.

قلة الشبع تجعل الجوارح أقرب لفعل القربة، يرق القلب، ويغزر الدمع، ويخذل الشيطان


خطبة صوموا لعلكم تتقون - الشيخ صالح بن حميد

احذر هذا الصوم

انظر ـ حفظ الله دينك وزاد في تقاك ـ في ضعافٍ مهازيلَ؛ ممن جاع نهاره، وملأ في الليل بطنه،

فهو صريع لذة عارمة، وعبد لشهوة جامحة.
هل حقق معنى التقوى حين تفنن بأطايب الطعام وألوان الموائد؟!

 بينما قليل منه قد يشبع جياعًا ويسعد أسرًا، قليل منه قد يكفكف دموعًا ويوقف عبراتٍ؟

هل أعطى واتقى ـ أم كيف أعطى؟ وماذا اتقى؟ ـ

من جعل رمضان تبذيرًا، وفطره تخمة؟‍!
مسكين بائس لا يرى في الصوم إلا جوعًا لا تتحمله معدته، وعطشًا لا تقوى عليه عروقه.

أي تقوى وأي مقاومة عند أمثال هؤلاء المهازيل؟

أولئك أقوام انهزمت عزائمهم أمام جوع بطونهم. لقد أورثهم الشبع قسوة، فجعلهم نَؤُومِين، وأقعدهم كسالى.

ألا فاقعدوا أنتم الطاعمون الكاسون، من أعلن استسلامه في معركة لقيمات لا تدوم سوى سويعات
فليس جديرًا بأن يعيش عزة المتقين، وعلياء الشهداء والمجاهدين.

لقد فرض الصيام لتمحيص التقوى، وليصبح المسلم صائمًا بقيامه بترك مطعمه ومشربه؛ قصده رضا محبوبِه
 ((الصوم لي وأنا أجزي به)).

هذا حال البطن وما حوى.
فيا ترى ما بال الرأس وما وعى؟
من لم يدع قول الزور والعمل به كيف صام؟ وماذا اتقى؟

حظه من صيامه الجوع والعطش ونصيبه من قيامه السهر والنصب. أين التقوى في أسماعهم وأبصارهم؟
لغو ولهو وقيل وقال، وأصوات معازف، وصور ماجنة، وقصص خالعة.
في النهار نوم في تقصير،
وفي الليل سهر في غير طاعة،
متبرمون في أعمالهم، سيئون في معاملاتهم،
ويتثاقلون في أداء مسؤولياتهم، نشاط في اللهو والسمر، وكسل في الجد والعبادة.

أيها الأحبة: شهركم شهر التقوى، شهركم موسم عظيم للمحاسبة، وميدان فسيح للمنافسة، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة، رحمة ومغفرة، وعتق من النار.

فأقبلوا على الطاعة، وتزودوا من التقى، واستروحوا روائح الجنة، وتعرضوا للنفحات.
  
خطبة صوموا لعلكم تتقون - الشيخ صالح بن حميد

التعبد لله بأسمائه الحسنى في رمضان 

من أسماء الله الحسنى التي يستشعرها قلب الموحد الصائم ويتعبد لربه بمقتضى معناها اسم الله " الرقيب "

فالله الذي يعلم الغيب كما يعلم الشهادة ويرقب العبد في سره وعلانيته.
فيتعبد المؤمن الصائم لله بمقتضى هذا المعنى فيراقب الله بصيامه
ويحفظه من الانتقاض والنقص في غيبته وشهادته.
فتجد الصائم لا فرق عنده في حفظ صيامه بين أن يكون بين الناس أو خالياً منهم .
وتجده يتحرز من دقائق الأمور وصغارها ويسأل عن أثرها خوفاً من أن تؤثر على صيامه أو تفسده
فيصوم لله بمقام ومنزلة المراقبة لله  وهي من أجل المقامات.

خطبة : استشعار قلب الموحد في رمضان - صلاح العريفي

🔸ما معنى اسم " الرقيب "؟

ما علاقة اسم " الرقيب " بالتقوى التي هي الحكمة العظمى من الصيام؟ 

أولا:وقفة مع اسم الله "الرقيب"

اسم "الرقيب " يدل على عظمة الله جل جلاله وإطلاعه على كل شيء،
وأنه لا تخفى عليه خافية مهما كان حجمها ،
يعلم مكان عبده ويسمع كلامه

قال سبحانه:(إن الله كان عليكم رقيبا)[النساء:1]

قال الشيخ السعدي–رحمه الله-:
" أي:مطلع على العباد،
في حال حركاتهم وسكونهم،
وسرهم وعلنهم،
وجميع الأحوال ،
مراقبا لهم فيها،
مما يوجب مراقبته،وشدة الحياء منه،بلزوم تقواه ".تفسير السعدي

معنى هذا الاسم الجليل،
يقول الزجاجي-رحمه الله-:"
(الرقيب) هو: الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه".

وقال الشيخ الفوزان:
"(الرقيب):الذي يراقب عباده ويراهم ويسمعهم ولا يخفون عليه،

بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم،لا يخفى عليه شيء من أمورهم".

أبو عبد الله حمزة النايلي -ملتقي أهل الحديث
ثانيا: علاقة اسم "الرقيب " برمضان

نتعلم من رمضان ونحن صيام بالنهار، قوام بالليل لا يعلم حالنا إلا الله.
لو شاء الواحد منا أن يتناول شيئا من الطعام أو الشراب دون أن يشعر به أحد لفعل،

ولا يمنعه عن ذلك إلا مراقبته لله عز وجل.
فنعيش مع الرقابة الداخلية والضمير الإنساني ومع اسم الله الرقيب في هذه الكلمات :-

ورد اسم الله "الرقيب" في القرآن الكريم "ثلاث مرات" في قوله تعالي:-

1- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
"1" النساء
نبهنا الله بعد طلب التقوى أنه الرقيب علي أعمالنا
التقوى التي هي الغاية من رمضان ومن كل عبادة.

2 - {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} "117" المائدة

تؤكد هذه الآية رقابة الله عز وجل على بني الإنسان في كل وقت.

3 - {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا } "52" الأحزاب.

رقابة الله علي أفعال العباد.
من هنا نحن في لجنة امتحان الحياة الدنيا والله هو الرقيب

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} "2" الملك.

{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } "7" الكهف.

ولكن قد نستطيع أن نستغفل الرقيب في امتحانات الشهادات التعليمية ونغش
ولكن فرق بين رقيب الامتحانات التعليمية والرقيب في امتحان الحياة الدنيا وهو الله عز وجل

أبوأنس عبد الوهاب عمارة

مراقبة الله والتقوى

إن العبد إذا استشعر مراقبة الباري سبحانه له اتقاه وابتعد عن معصيته خاصة في الخلوات

فيتذكر عند قدرته على المعصية في السر وغياب أعين البشر عنه!
أن هناك من يراه،ويعلم سره وجهره،
لا يخفى عليه شيء مهما كان حجمه،
فيستحي منه ويتقيه،ألا وهو رب العزة جل جلاله.

ولقد أحسن من قال :
إذا ما خلوتَ الدَّهر يوما فلا تقل   

         خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ

ولا تـحسبن اللهَ يَغفل ساعــةً
       
       ولا أن ما يخفـى عليه يَغيبُ.

وعلى العبد أن يعلم ويتيقن أنه سبحانه لحلمه الكامل لم يُعاجله بالعقوبة مع قدرته على ذلك،

وأن في إمهاله له فرصة للرجوع والتوبة.


أبو عبد الله حمزة النايلي - ملتقى أهل الحديث
كيف نصل إلى المراقبة؟

أول ذلك أيها الأحبة وهو من أعظمه أن نستحضر معاني الأسماء الحسنى التي تؤثر في هذا المقام
والله تبارك وتعالى علمنا في هذا القرآن جملة طيبة كثيرة من أسمائه جل جلاله، وإنما ذلك من أجل أن نتعبده بهذه الأسماء.

فمن أسمائه التي تتعلق بهذا المعنى:
الرقيب، وكذلك الحفيظ، والعليم، والخبير، والشهيد، والمحيط، واللطيف، إلى غير ذلك من الأسماء التي إذا أدرك العبد معناها وتعبد ربه بمقتضاها
فإن ذلك يؤدي به إلى تحصيل مقام المراقبة.

والمراقبة هي ثمرة علمه
 بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه
ناظر إليه
سامع لقوله
مطلع على عمله في كل وقت وحين،
وفي كل نفس وفي كل طرفة عين،
فإذا أرادت عينه أن تمتد إلى النظر إلى ما حرم الله عز وجل لامرأة يشاهدها ويراها في الطريق أو في الأسواق أو كان ذلك في شاشة
فإنه يدرك ويعلم أن نظر الله إليه أسبق من نظره إليها فيخاف وينزجر وينكف، عن هذا النظر، 

السبب الثاني الذي يوصل إليها: هو أن نحقق مرتبة الإحسان.

أن نعبد الله عز وجل كأننا نراه، وإنما ينشأ ذلك من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته
حتى يصير العبدُ بمنزلة كأنه يرى ربه تبارك وتعالى فوق سماواته مستوياً على عرشه،
يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة، فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه
وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله-.

مراقبة الله - د.خالد بن عثمان السبت

تابع كيف نصل إلى المراقبة؟

الثالث من هذه الأسباب: هو كثرة ذكر الله  عز وجل بالقلب واللسان.

وقد ذكر الحافظ ابن القيم في الوابل الصيب للذكر أكثر من مائة فائدة،
وذكر العاشرة منها وهو أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه،

ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى سبيل الإحسان،
كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت الحرام،

وأفضل الذكر  كما هو معلوم ما تواطأ عليه القلب واللسان،

ولو أردنا أن نوازن بين ذكر القلب وذكر اللسان، فلا شك أن ذكر القلب  أفضل من ذكراللسان بمجرده،

لأن الإنسان قد يلهج بلسانه وقلبه في غاية الغفلة،

فذكر القلب يثمر المعرفة،
ويُهيج المحبة، ويثير الحياء،
ويبعث على المخافة،
ويدعو إلى المراقبة.

الأمر الرابع من الأمور التي توصل إلى مقام المراقبة:
أن يحاسب الإنسان نفسه دائماً.

أن يلاحظ الأنفاس والخطرات، فلا يكون العبد من الغافلين.

جاء عن بلال بن سعد رحمه الله أنه قال: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت".

قال ابن المبارك لرجل: "راقب الله تعالى"، فسأله الرجل عن تفسير ذلك فقال: "كن أبداً كأنك ترى الله".

مراقبة الله - د.خالد بن عثمان السبت
آثار تربية النفس على المراقبة

ما هي الثمرات والنتائج الطيبة التي تحصل لمن ربى نفسه على المراقبة واتصف بهذه الصفة، وبلغ هذه المراتب العظيمة.

 أول ذلك التأدب مع الله عز وجل، فهو يدرك أن الله يسمعه وأن الله يبصره

الأدب مع الله عز وجل بأن نصون المعاملة معه فلا نشوبها بنقيصة،

إذا صلى الإنسان يصلي صلاة لائقة أن يصون قلبه فلا يكون فيه التفات ولا تعلق بغير الله عز وجل

وقد قيل: أسرع الأشياء عظة للقلب وانكساراً له ذكر اطلاع الله بالتعظيم له،والمقصود أيها الأحبة أن المراقبة توجب صيانة الظاهر والباطن،

فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة،
وصيانة الباطن تكون بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة،
ومن الحركات الباطنة أيها الأحبة ضبط معارضة أمره وخبره،
فيجرد الإنسان باطنه من كل شهوة وإرادة تعارض أمره، هذه مراتب عالية

وقد قيل: "من راقب الله في خواطره عصمه الله في حركات جوارحه".

الثاني من أثارها وثمراتها: دخول الجنة.
وقد سئل بعضهم: "بما ينال العبد الجنة؟"،
فقال: "بخمس:
استقامة ليس فيها روغان،
واجتهاد ليس معه سهو،
ومراقبة لله تعالى في السر والعلانية،
وانتظار الموت بالتأهب له،
ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب".

 الثمرة الثالثة: السعادة  والانشراح.

هذا الإنسان الذي يراقب ربه تبارك وتعالى يكون قريباً منه،

وإذا كان العبد قريباً من ربه فلا تسأل عن أنسه ولذته وسروره بمناجاة ربه تبارك وتعالى وبمعرفته، 

مراقبة الله - د. خالد بن عثمان السبت - بتصرف

تابع من آثار تربية النفس على المراقبة

الثمرة الرابعة: السكينة والحياء والمحبة والخشوع 
والخوف والرجاء والتوكل،

كلما اشتدت المراقبة أيها الأحبة  في قلب العبد أوجبت له من هذه المعاني الشيء الكثير،
وذلك أن المراقبة هي أساس الأعمال القلبية وعمودها الذي قيامها به.💡

الخامس من ثمراتها: صحة الفراسة.
وقد قال بعضهم:
"من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة
وكف نفسه عن الشهوات
وغض بصره عن المحارم
واعتاد أكل الحلال
لم تخطئ له فراسة".

السادس من ثمراتها:
إيثار ما أنزل الله وتعظيم ما حرم الله وتصغير ما صغر الله.

السابع: حفظ الأوقات فلا تضيع سدى.
فمن تحقق في المراقبة خاف على فوات لحظة من ربه تبارك وتعالى.

مراقبة الله - د. خالد بن عثمان السبت - بتصرف
بناء الصيام على المراقبة

من دلائـل الصـلاح والتقوى مراقبـة الله عزَّ وجـلَّ في السر والعلن،
وتلك هي درجة الإحسان التي تفوق درجتي الإسلام والإيمان،

وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم «بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»

مراقبة دائمة لله عزَّ وجلَّ، يشعرُ العبد معها بأنه لا يستطيع أن يعصي الله تعالى؛
لأنه يعلم أنه إن غـاب عـن أعين الناس فإنـه لا يغـيب عـن الله تبـارك وتعالى.

بين المراقبة والصيام صلة وثيقة؛ ذلك أن الصيام يبنى على المراقبة، وترك المفطرات سِرٌّ لا يطلع عليه إلا الله تعالى؛

فإن العبد قد يدَّعي الصيام، ويجلس مع الصائمين وهو مفطر، والناس يظنونه صائماً، ولا يعلم حقيقته إلا الله تعالى.

ولذا جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف،
قال الله عزَّ وجلَّ: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي» رواه الشيخان.

إن الصائم يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله تعالى،
وليس من أجل الناس؛

لخفاء أمره على الناس، واطلاع الله تعالى على حاله،

بخلاف كثير من الأعمال الصالحة الأخرى؛
فالمصلي قد يصلي من أجل الناس،وكذلك الحاج والمعتمر والمتصدق إذا أظهر صدقته،
وهكذا كثير من الأعمال الصالحة،

ولا يعني ذلك أن الصيام لا يدخله الرياء ـ ولاسيما صيام التطوع ـ
فإن العبد قد يصوم تطوعاً ويظهر صيامه للناس بإخبارهم به،
 لكن من ادعى الصوم من الناس فـلا يعلـم بحقيقـة صومـه إلا الله عـزَّ وجـلَّ؛
إذ قد يفطر سراً والنـاس لا يدرون،
خطبة :رمضان والمراقبة - الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل

تحقيق المراقبة في الصيام

الصيام سر بين العبد وربه؛ ولذلك كان الجزاء عليه من الله تعالى مباشرة بلا واسطة،
وإلا فإن كل الأعمال جزاؤها من الله تعالى.

ألا فاتقوا الله ربكم، وحققوا المراقبة في صيامكم،

راقبوا الله تعالى في أسماعكم فلا تسمع حراماً،
راقبوه في أبصاركم فلا تبصر حراماً،
راقبوه في جوارحكم فلا تعمل حراماً،
راقبوه في خطاكم فلا تمشوا إلى حرام، ولا تجلسوا في مجالس اللهو والباطل.

إن كثيراً من الصائمين يراقبون الله تعالى في صيامهم من جهة الأكل والشرب وسائر المفطرات الحسية،
ويشددون على أنفسهم في ذلك حتى تجدهم يسألون عن قطرة العين والأنف والأذن، وعن الغبار والدخان والطيب هل هي من المفطرات؟
ويجتنبـونها احتياطاً لصومهم،

ولكنهم لا يتقون الله تعالى ولا يراقبونه فيما يخل بالصوم،
أو يذهب أجره
كالغيبة والنميمة والزور والبهتان،
والنظر إلى المحرمـات وسماعـها.

وهذا من أعظم الخلل في فهم حقيقة الصوم،
وهو من الحرمان العظيم؛
إذ حرموا أنفسهم مما أحل الله لهم في غير الصيام
وأحلوا ما حرم الله عليهم حال صيامهم وحال فطرهم.

فاحذروا ـ عباد الله ـ خوارم الصيام،

🔺وراقبوا الله تعالى في صومكم؛ فإنه لله تعالى،
والله تعالى قد تولى الجزاء عليه،
وهو الغني الكريم الذي يعطي العطاء الجزيل،

فلا تحرموا أنفسكم عطاياه بشهوات تقارفونها في ليالي رمضان، تذهب حلاوتها ويبقى وزرها،

واتقوا الله في ليالي رمضان كما تتقونه في نهاره.

خطبة :رمضان والمراقبة - الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل


التعبد لله باسمه "الشهيد" في رمضان 

أولا : - وقفة مع اسم الله "الشهيد"

قال الزجَّاجي: الشهيد في اللُّغة بمعنى الشاهد،
كما أنَّ العليم بمعنى العالِم،
والشاهد خلاف الغائب، كقول العرب: فلان كان شاهدًا لهذا الأمـر؛ أي لم يغبْ عنه.

من آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:

أولاً: أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - هو عالِم الغيب والشهادة،
لا يَخفى عليه شيءٌ، وإن دقَّ وصغر، فهو - سبحانه - شهيدٌ على العباد وأفعالهم ليس بغائبٍ عنهم،

كما قال - سبحانه -: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [الأعراف: 6، 7].

فيَنبغي لكلِّ عامل أراد عملاً، صغُر العمل أو كبُر، أن يقف وقفةً عند دخوله فيه،

فيعلم أنَّ الله شهيدٌ عليه، فيحاسب نفسه،
فإنْ كان دخولُه فيه لله، مضَى فيه، وإلا ردَّ نفسَه عن الدخول فيه وتركه

 ثانيًا: أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أعظمُ شيءٍ شهادةً،
كما قال - سبحانه -: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 19].

قال ابنُ جرير: يقول الله - تعالى ذِكْرُه - لنبيِّه محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
قل يا محمدُ، لهؤلاء المشركين الذين يُكذِّبون ويجحدون بنبوتك مِن قومك: أيُّ شيء أعظمُ شهادةً وأكبر؟
ثم أَخْبِرهم بأنَّ أكبر الأشياء شهادةً هو الله، الذي لا يجوز أن يقع في شهادته ما يجوز أن يقعَ في شهادة غيره من خَلْقه من السهو والخطأ، والغلط والكَذِب.

ثالثًا: شَهِد الله - عزَّ وجلَّ - لنفسه بأنَّه واحد أحد، فرْد صمد،
لا شريكَ له ولا وزير، ولا نِدَّ ولا نظير،
وشهدتْ ملائكته وأولو العلم بذلك،

كما في قوله - جلَّ شأنه -: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]،
فتضمَّنتِ الآية أعظمَ شهادة من أعظم شهيد.

رابعًا: أنَّ الله - تعالى - هو الشهيدُ على أفعال العِباد وأقوالهم،
ويتجلَّى ذلك يومَ القِيامة عند مُحاسبتهم، وتقرير أحوالهم؛

قال - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].

خامسًا: أنَّ من أعظمِ ثمراتِ الإيمان بهذا الاسم:

أن يَستحضرَ العبدُ شهودَ الله له عندَ كل عمل يعمله، أو كلام يقوله، أو نيِّة يعقدها.

د. أمين بن عبدالله الشقاوي

 علاقة اسم" الشهيد" باسم "الرقيب "

قال تعالى: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة: 117].

قال السعدي رحمه الله:
الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى وهما مترادفان،

وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات،
وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية،

وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان

وقال في موضع آخر:
والرقيب المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير
وقال أيضاً: قال الله تعالى:
"إن الله كان عليكم رقيبا والله على كل شيء شهيد"

ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد،

فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة، والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله،
أوجب له ذلك
حراسة باطنه عن كل فكر، وهاجس يبغضه الله،
وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله
وتعبد بمقام الإحسان
فعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه.

الموسوعة العقدية - الدرر السنية