العشر الأواخر من رمضان


20 رمضان
الجزء 20

{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ }(78) النمل

 المعنى الإجمالي 

يقول الطبري في تفسيره:-

 (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ )
 ((إن ربك يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بحكمه فيهم,
فينتقم من المبطل منهم,
ويجازي المحسن منهم المحقّ بجزائه،
 (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ )
وربك العزيز في انتقامه من المبطل منهم ومن غيرهم,
لا يقدر أحد على منعه من الانتقام منه إذا انتقم العليم بالمحق المحسن من هؤلاء المختلفين من بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه, ومن غيرهم من المبطل الضالّ عن الهدى.))

وجه ختام الآية باسمي [ العزيز العليم]
يقول السعدي في تفسيره:-

 (( إن الله تعالى سيفصل بين المختصمين وسيحكم بين المختلفين بحكمه العدل وقضائه القسط،
فالأمور وإن حصل فيها اشتباه في الدنيا بين المختلفين لخفاء الدليل أو لبعض المقاصد
فإنه سيبين فيها الحق المطابق للواقع حين يحكم الله فيها،

وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي قهر الخلائق فأذعنوا له،
الْعَلِيمُ } بجميع الأشياء

{الْعَلِيمُ } بأقوال المختلفين وعن ماذا صدرت وعن غاياتها ومقاصدها وسيجازي كلا بما علمه فيه.))

21 رمضان
الجزء 21

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } (16) لقمان

المعنى الإجمالي 
يقول السعدي في تفسيره:-

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ }
التي هي أصغر الأشياء وأحقرها،
فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها
أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } لسعة علمه، وتمام خبرته وكمال قدرته،
ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }
أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار.

والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ.))

معنى اسم [اللطيف]
يقول السعدي في تفسيره لسورة الأنعام 103 :-

وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
 (( الذي لطف علمه وخبرته، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن.
ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها،
ويوصله إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب،
حتى أنه يقدر عليه الأمور، التي يكرهها العبد، ويتألم منها، ويدعو الله أن يزيلها،
لعلمه أن دينه أصلح، وأن كماله متوقف عليها،
فسبحان اللطيف لما يشاء، الرحيم بالمؤمنين.))

وجه ختام الآية باسمي ] لطيف خبير]

يقول الطبري في تفسيره :-

{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
 ((إن الله لطيف باستخراج الحبة من موضعها حيث كانت
خبير بموضعها.))


22 رمضان
الجزء 22

{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }(6) سبأ
المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

 (( لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث, وأنهم يرون ما أنزل على رسوله ليس بحق،
ذكر حالة الموفقين من العباد, وهم أهل العلم, وأنهم يرون ما أنزل اللّه على رسوله من الكتاب, وما اشتمل عليه من الأخبار, هو الحق,
أي: الحق منحصر فيه, وما خالفه وناقضه, فإنه باطل,
لأنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين.
ويرون أيضا أنه في أوامره ونواهيه 
يَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
وذلك أنهم جزموا بصدق ما أخبر به من وجوه كثيرة:
من جهة علمهم بصدق من أخبر به،
ومن جهة موافقته للأمور الواقعة, والكتب السابقة،
ومن جهة ما يشاهدون من أخبارها, التي تقع عيانا،
ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة الدالة عليها في الآفاق وفي أنفسهم
ومن جهة موافقتها, لما دلت عليه أسماؤه تعالى وأوصافه.

ويرون في الأوامر والنواهي, أنها تهدي إلى الصراط المستقيم, المتضمن للأمر
بكل صفة تزكي النفس، وتنمي الأجر، وتفيد العامل وغيره،
كالصدق والإخلاص وبر الوالدين, وصلة الأرحام, والإحسان إلى عموم الخلق, ونحو ذلك.
وتنهى عن كل صفة قبيحة, تدنس النفس, وتحبط الأجر, وتوجب الإثم والوزر,
من الشرك, والزنا, والربا, والظلم في الدماء والأموال, والأعراض.

وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة, وعلامة لهم,
وأنه كلما كان العبد أعظم علما وتصديقا بأخبار ما جاء به الرسول,
وأعظم معرفة بحكم أوامره ونواهيه,
كان من أهل العلم الذين جعلهم اللّه حجة على ما جاء به الرسول, احتج اللّه بهم على المكذبين المعاندين, كما في هذه الآية وغيرها.))

وجه ختام الآية باسميالعزيز الحميد]
يقول ابن عاشور في تفسيره:-
▫ ((وإيثار وصفي { العزيز الحميد } هنا دون بقية الأسماء الحسنى
إيماء إلى أن المؤمنين حين يؤمنون بأن القرآن هو الحق والهداية
استشعروا من الإِيمان أنه صراط يبلغ به إلى العزة
قال تعالى : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [ المنافقون : 8 ]،
ويبلغ إلى الحمد ، أي الخصال الموجبة للحمد ، وهي الكمالات من الفضائل والفواضل ))


23 رمضان
الجزء 23

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (5) الزمر

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▫ (( يخبر تعالى أنه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بالحق} أي: بالحكمة والمصلحة، وليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم.

يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } أي: يدخل كلا منهما على الآخر، ويحله محله، فلا يجتمع هذا وهذا،
بل إذا أتى أحدهما انعزل الآخر عن سلطانه.

وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} بتسخير منظم، وسير مقنن.
كُلٌّ } من الشمس والقمر
{يَجْرِي } متأثرا عن تسخيره تعالى
لِأَجَلٍ مُسَمًّى } وهو انقضاء هذه الدار وخرابها، فيخرب اللّه آلاتها وشمسها وقمرها، وينشئ الخلق نشأة جديدة ليستقروا في دار القرار، الجنة أو النار.))

 وجه ختام الآية باسميالعزيز الغفار]

يكمل السعدي:-
أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ } الذي لا يغالب، القاهر لكل شيء، الذي لا يستعصي عليه شيء، الذي من عزته أوجد هذه المخلوقات العظيمة، وسخرها تجري بأمره.

الْغَفَّارُ } لذنوب عباده التوابين المؤمنين، كما قال تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى }
{الغفار} لمن أشرك به بعد ما رأى من آياته العظيمة، ثم تاب وأناب.))

ويقول ابن عاشور في تفسيره:-

▪ (( ووصفَ { الغَفَّارُ } مؤذن باستدعائهم إلى التوبة باتباع الإِسلام .

▫وفي وصف الغَفَّارُ مناسبة لذكر الأجل لأن المغفرة يظهر أثرها بعد البعث الذي يكون بعد الموت وانتهاء الأجل تحريضاً على البدار بالتوبة قبل الموت حين يفوت التدارك .))




24 رمضان
الجزء 24

{ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }(3) غافر

المعنى الإجمالي

يقول ابن كثير في تفسيره:-

 ( غافر الذنب وقابل التوب ) يغفر ما سلف من الذنب ، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه .

 ( شديد العقاب ) أي :↔ لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ، وعتا عن أوامر الله ، وبغى

وقد اجتمع في هذه الآية الرجاء والخوف.
وهذه كقوله تعالى :
( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) [الحجر : 49 ، 50 ]

يقرن هذين الوصفين كثيرا في مواضع متعددة من القرآن ; ليبقى العبد بين الرجاء والخوف.

وقوله : ( ذي الطول )
أنه المتفضل على عباده ،
المتطول عليهم بما هو فيه من المنن والأنعام ،
التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها ،

وقوله : ( لا إله إلا هو ) أي: لا نظير له في جميع صفاته، فلا إله غيره ، ولا رب سواه
 ( إليه المصير ) أي : المرجع والمآب ، فيجازي كل عامل بعمله))

وجه الجمع بين هذه الصفات العلى

يقول ابن عاشور في تفسيره:-

▪ (( فوصفُ { غافر الذنب وقابل التوب }↔ تعريض بالترغيب ،

وصِفتا { شَدِيد العقاب ذِي الطَّول }↔تعريض بالترهيب .

 وإنما عطفت صفة { وقَابِل التَّوْب } بالواو على صفة { غَافِر الذنب }
إشارة إلى نكتة جليلة وهي إفادة أن يجمَع للمذنب التائب بين رحمتين
بين أن يقبل توبته فيجعلها له طاعة ،
وبين أن يمحو عنه بها الذنوب التي تاب منها وندِم على فعلها ،
فيصبحَ كأنه لم يفعلها . وهذا فضل من الله .

وأعقب ذلك بما يدل على الوحدانية وبأن المصير ، أي المرجع إليه
تسجيلاً لبطلان الشرك وإفساداً لإِحالتهم البعث .

فجملة { لا إله إلاَّ هو } في موضع الصفة ، وأتبع ذلك بجملة {إليه المَصِير }
إنذاراً بالبعث والجزاء لأنه لما أجريت صفات { غَافِر الذَّنب وقَابِل التَّوببِ شَدِيد العِقَاب } أثير في الكلام الإِطماعُ والتخويفُ
فكان حقيقاً بأن يشعروا بأن المصير
إما إلى ثوابه
وإما إلى عقابه
فليزنوا أنفسهم ليضعوها حيث يلوح من حالهم .))


25 رمضان
الجزء 25

{ ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} (23) الشورى

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

{ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } من صلاة، أو صوم، أو حج، أو إحسان إلى الخلق
{ نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا }
بأن يشرح الله صدره، وييسر أمره،
وتكون سببا للتوفيق لعمل آخر،
ويزداد بها عمل المؤمن،
ويرتفع عند الله وعند خلقه،
ويحصل له الثواب العاجل والآجل.

{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }
يغفر الذنوب العظيمة ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها،
ويشكر على العمل القليل بالأجر الكثير،
فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب،
وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة.))

وجه ختام الآية باسمي] غفور شكور]

يقول البقاعي في نظم الدرر:-
 (( ولما كانوا يقولون: إنا قد ارتكبنا من المساوىء ما لم ينفع معه شيء،
قال نافياً لذلك على سبيل التأكيد معللاً مبيناً بصرف القول إلى الاسم الأعظم أن مثل ذلك لا يقدر عليه ملك غيره على الإطلاق:
{إن الله} أي الذي لا يتعاظمه شيء
{غفور} لكل ذنب تاب منه صاحبه أو كان يقبل الغفران وإن لم يتب منه إن شاء، فلا يصدن أحداً سيئة عملها عن الإقبال على الحسنة.
ولما كان إثبات الحسنة فضلاً عن الزياة عليها لا يصح إلا مع الغفران، ولا يمكن أن يكون مع المناقشة،
فذكر ذلك الوصف الذي هو أساس الزيادة، أفادها - أي الزيادة - بقوله:
{شكور } فهو يجزي الحسنة أضعافها ويترك سائر حقوقه.))

اقتران اسمي] غفور شكور]

لم ترد في القرآن كله إلا في ثلاثة مواضع: موضع هاهنا في سورة الشورى وموضعان في سورة فاطر.
موضعان بعد آيات يحثّ الله فيها العباد على فعل الطاعة

وتدبر معي: (غفور) تعطي معنى النقص في فعل الطاعة وتعطي معنى ارتكاب المعصية وتعطي معنى عدم اتمام الطاعة على كمالها.

و(شكور) تعطى معنى أن الله يعطي ويمنح الأجر أكثر مما توقع أنت، فالله شكور.

لماذا غفور شكور في هذين الموضعين اللذين يحث فيهما العباد على فعل الطاعات؟

لأن العباد في فعل الطاعات سيكونون على أحوال،
من الناس من تفعل الطاعة بتمامها وكمال ويوفقها الله لأدائها بإخلاص فهؤلاء وصلوا القمة،
ومن الناس من يؤدي الطاعة بنسبة خمسين في المئة وتسعين وبنسبة عشرين في المئة

فالله تبارك وتعالى يشير إلى أن هذا النقص الذي نقص في طاعتكم
الله تبارك وتعالى يغفره لأنه غفور.
لكن إياك أن تتكئ على هذا، إياك أن تتكئ على أنك تكون مقصراً وإلا كنت مُصرّاً لا،

ينبغي أن ترتقي إلى أن تصل إلى درجة شكور.

وشكور تعطى معنى أن الله أعطى العباد أكثر مما كانوا يتوقعون.
فالله جلت قدرته يحثك على فعل الطاعة فإذا كان عندك خلل فاجتهد وحاول أن تصل إلى درجة الرقي وأن تصل إلى درجة الامتياز وأن تصل إلى درجة المئة في المئة حتى تكون من أهل الشكور.
د . محمود شمس

26 رمضان
الجزء 26


{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (4) الفتح

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▪ (( يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم،
وهي السكون والطمأنينة، والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة، التي تشوش القلوب، وتزعج الألباب، وتضعف النفوس،
فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه، وينزل عليه السكينة،
ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة، فيستعد بذلك لإقامة أمر الله في هذه الحال، فيزداد بذلك إيمانه، ويتم إيقانه،

فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم، وحط من أقدارهم، وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس،
فلما صبروا عليها ووطنوا أنفسهم لها، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم.
وقوله: { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره،
فلا يظن المشركون أن الله لا ينصر دينه ونبيه،

ولكنه تعالى عليم حكيم، فتقتضي حكمته المداولة بين الناس في الأيام، وتأخير نصر المؤمنين إلى وقت آخر.))

وجه ختام الآية باسمي ]عليم حكيم]
يقول الرازي في التفسير الكبير:-

 ( وكان الله عليما حكيما )

▫ (( لما قال : ( ولله جنود السماوات والأرض ) وعددهم غير محصور ،
أثبت العلم إشارة إلى أنه :
( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض)[سبأ :3]
وأيضا لما ذكر أمر القلوب بقوله : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين )
والإيمان من عمل القلوب
ذكر العلم إشارة إلى أنه يعلم السر وأخفى ،

وقوله : ( حكيما ) بعد قوله : (عليما ) إشارة إلى أنه يفعل على وفق العلم
فإن الحكيم من يعمل شيئا متقنا ويعلمه ،
فإن من يقع منه صنع عجيب اتفاقا لا يقال له حكيم
ومن يعلم ويعمل على خلاف العلم لا يقال له حكيم .))


27رمضان
الجزء 27

قال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }(55)

المعنى الإجمالي

يقول السعدي في تفسيره:-

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ } لله،
بفعل أوامره وترك نواهيه،
الذين اتقوا الشرك والكبائر والصغائر.

{ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي: في جنات النعيم، التي فيها
ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،
من الأشجار اليانعة، والأنهار الجارية،
والقصور الرفيعة، والمنازل الأنيقة،
والمآكل والمشارب اللذيذة، والحور الحسان،
والروضات البهية في الجنان،
ورضوان الملك الديان، والفوز بقربه.))

يقول البغوي في تفسيره :-

 ( في مقعد صدق ) في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم
 ( عند مليك مقتدر ) ملك قادر لا يعجزه شيء
قال جعفر الصادق : مدح الله المكان بالصدقفلا يقعد فيه إلا أهل الصدق .))


وجه ختام الآية باسمي] مليك مقتدر ]

يقول السامرائي :-

 ((هذه الآية الوحيدة التي وردت فيها كلمة مليك في القرآن .
 مليك على صيغة فعيل ، وصيغة فعيل تدل
على الثبوت مثل جميل وصغير وقصير وهي صفة مشبهة أي صفات ثابتة
أو تدل على التحول إلى الثبوت فلا يُسمّى الخطيب خطيباً من أول خطبة بل بعد عدة خطب.

وبما أن المقعد في الآية (في مقعد صدق) ورد في مقام الإستمرارية
وجب قول مليك مقتدر (عند مليك مقتدر)

واستخدام كلمة كلمة مقتدر تفيد المبالغة في القدرة
وتماشت مع سياق الآية لأنها تشمل
مبالغة في الوصف والجزاء والطاعة والأجر والسعة
ولذا اقتضى المبالغة في القدرة.))


28 رمضان
الجزء 28

{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(21) المجادلة

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▫ (( ووعد لمن آمن به، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون، فصار من حزب الله المفلحين،
أن لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة،
وهذا وعد لا يخلف ولا يغير، فإنه من الصادق القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء يريده))

ويقول صاحب أضواء البيان:-

▪ (( قد دلت هذه الآية الكريمة على أن رسل الله غالبون لكل من غالبهم ،
والغلبة نوعان :
غلبة بالحجة والبيان ، وهي ثابتة لجميع الرسل ،
وغلبة بالسيف والسنان ، وهي ثابتة لمن أمر بالقتال منهم دون من لم يؤمر به .))

وجه ختام الآية باسمي] قوي عزيز]

يقول الطبري في تفسيره:-

 (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )
▫ (( إن الله جلّ ثناؤه ذو قوّة وقدرة على كلّ من حادّه، ورسوله أن يهلكه،

ذو عزّة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه، أو عاقبه، أو أصابه في نفسه بسوء.)) 



29 رمضان
الجزء 29

{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }(2) الملك

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛
{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي: أخلصه وأصوبه،
فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره،
فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين،
ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.))

وقال ابن القيم رحمه الله :
" فهو سبحانه وتعالى إنما خلق السموات والأرض ، والموت والحياة وزين الأرض بما عليها :
ليبلو عباده أيهم أحسن عملا ، لا أَكْثَرُ عَمَلا.

والْعَمَلُ الأَحْسَنُ هُوَالأَخْلَصُ وَالأَصْوَبُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، دُونَ الأَكْثَرِ الْخَالِي مِنْ ذَلِكَ ،

فهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ
بالأَرْضَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلا ، دُونَ الأَكْثَرِ الَّذِي لا يُرْضِيهِ ،
والأَكْثَرُ الَّذِي غَيْرُهُ أَرْضَى لَهُ مِنْهُ ؛

ولِهَذَا يَكُونُ الْعَمَلانِ فِي الصُّورَةِ وَاحِدًا وَبَيْنَهُمَا فِي الْفَضْلِ ، بَلْ بَيْنَ قَلِيل أَحَدهمَا وَكَثِير الآخَرِ فِي الْفَضْلِ : أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " .))

وجه ختام الآية باسمي العزيز الغفور]

يقول ابن عاشور في تفسيره:-

▪ (( فأما { العزيز } فهو الغالب الذي لا يعجز عن شيء ،
وذكره مناسب للجزاء المستفاد من قوله : { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } ،
أي ليجزيكم جزاء العزيز ، فعلم أن المراد الجزاء على المخالفات والنكول عن الطاعة.
وهذا حظ المشركين الذين شملهم ضمير الخطاب في قوله { ليبلوكم}.

وأما { الغفور } فهو الذي يكرم أولياءه ويصفح عن فلتاتهم فهو مناسب للجزاء على الطاعات،
قال تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى } [ طه : 82 ]

فهو إشارة إلى حظ أهل الصلاح من المخاطبين .))