تدبر الأسماء الحسنى من القرآن الكريم

1 رمضان
الجزء الأول

قال تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة 115.

المعنى الإجمالي
 يقول الطبري:-
( ولله ملك الخلق الذي بين المشرق و المغرب يتعبدهم بما شاء ، ويحكم فيهم ما يريد عليهم طاعته ، فولوا وجوهكم - أيها المؤمنون - نحو وجهي ، فإنكم أينما تولوا وجوهكم فهنالك وجهي.)

مناسبة ختم الآية باسم الواسع العليم

ذكر سليمان بن قاسم العيد المناسبة فقال:-

 (قال ابن سعدي : واسع الفضل والصفات عظيمها، عليم بسرائركم ونياتكم.
فمن سعته وعلمه وسع لكم الأمر، وقبل منكم المأمور، فله الحمد والشكر.
وقال أيضاً : واسع الفضل، واسع الملك، جميع العالم العلوي والسفلي بعض ملكه.
ومع سعته في ملكه وفضله فهو محيط علمه بذلك كله، ومحيط علمه بالأمور الماضية والمستقبلة، ومحيط علمه بما في التوجه إلى القبلة من الحكمة، ومحيط علمه بنية المستقبلين لكل جهة من الجهات، إذا أخطأوا القبلة المعينة، من غير قصد ولا عمد.)

وذكر عبد العزيز الجليل المناسبة فقال :-

 ( ولكي يتبين لنا وجه هذا الاقتران أنقل ما ذكره الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -
عند قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِن اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) } [البقرة]،

يقول رحمه الله تعالى:
 "... ثم ذكر عظمته سبحانه وأنه أكبر وأعظم من كل شيء، فأينما ولى العبد وجهه فثم وجه الله،
ثم ختم باسمين دالين على السعة والإحاطة فقال: { إِن اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ،

فذكر اسمه (الواسع) عقيب قوله: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } كالتفسير والبيان والتقرير فتأمله".)

2 رمضان
الجزء الثاني

قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(218)البقرة

المعنى الإجمالي

يقول السعدي في تفسيره للآية :-

 ( هذه الأعمال الثلاثة [الإيمان والهجرة والجهاد] , هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية, وبها يعرف ما مع الإنسان, من الربح والخسران،

فمن قام بهذه الأعمال الثلاثة على لأوائها ومشقتها كان لغيرها أشد قياما به وتكميلا.
فحقيق بهؤلاء أن يكونوا هم الراجون رحمة الله, لأنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة.)

وجه ختام الآية باسمي الغفور الرحيم
يقول السعدي أيضا:-
 (وفي قوله: { أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ } إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به لا ينبغي له أن يعتمد عليها, ويعول عليها, بل يرجو رحمة ربه, ويرجو قبول أعماله ومغفرة ذنوبه, وستر عيوبه.

ولهذا قال: { وَاللَّهُ غَفُورٌ } أي: لمن تاب توبة نصوحا
{ رَحِيمٌ } وسعت رحمته كل شيء, وعم جوده وإحسانه كل حي.
وفي هذا دليل على أن من قام بهذه الأعمال المذكورة, حصل له مغفرة الله, إذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله.

وإذا حصلت له المغفرة, اندفعت عنه عقوبات الدنيا والآخرة، التي هي آثار الذنوب, التي قد غفرت واضمحلت آثارها،

وإذا حصلت له الرحمة, حصل على كل خير في الدنيا والآخرة؛ بل أعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم,
فلولا توفيقه إياهم, لم يريدوها, ولولا إقدارهم عليها, لم يقدروا عليها, ولولا إحسانه لم يتمها ويقبلها منهم،
فله الفضل أولا وآخرا, وهو الذي منّ بالسبب والمسبب.)


3 رمضان
الجزء الثالث

{ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (263)البقرة

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-
{ قول معروف } ( أي: تعرفه القلوب ولا تنكره، ويدخل في ذلك كل قول كريم فيه إدخال السرور على قلب المسلم، ويدخل فيه رد السائل بالقول الجميل والدعاء له
{ ومغفرة } لمن أساء إليك بترك مؤاخذته والعفو عنه، ويدخل فيه العفو عما يصدر من السائل مما لا ينبغي،
فالقول المعروف والمغفرة خير من الصدقة التي يتبعها أذى،
ومفهوم الآية أن الصدقة التي لا يتبعها أذى أفضل من القول المعروف والمغفرة، وإنما كان المنّ بالصدقة مفسدا لها محرما.)

وجه ختام الآية باسمي الغني الحليم
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية [ نقلا من كتاب والله الأسماء الحسنى] :
"وختم الآية بصفتين مناسبتين لما تضمنته فقال: { وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } ، وفيه معنيان:

أحدهما: أن الله غني عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم، وإنما الحظ الأوفر لكم في الصدقة فنفعها عائد عليكم لا إليه سبحانه وتعالى،
فكيف يمنُّ بنفقته ويؤذي مع غنى الله التام عنها وعن كل ما سواه،
ومع هذا فهو حليم إذ لا يعاجل المانّ بالعقوبة. وفي ضمن هذا الوعيد والتحذير.
والمعنى الثاني: أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه فهو الموصوف بالحلم والتجاوز والصفح،
مع عطائه الواسع وصدقاته العميمة، فكيف يؤذي أحدكم بمنه وأذاه مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره".


4 رمضان
الجزء الرابع

{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(126) آل عمران

المعنى الإجمالي
يقول ابن كثير في تفسيره:-
▫ ((وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلا بشارة لكم وتطييبا لقلوبكم وتطمينا ،
وإلا فإنما النصر من عند الله ، الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم ، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم ،
{وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}
أي : هو ذو العزة التي لا ترام ، والحكمة في قدره والإحكام))

وجه ختام الآية باسمي (العزيز الحكيم)
يقول السعدي في تفسيره:-
▪ ((ولهذا قال { عند الله العزيز } فلا يمتنع عليه مخلوق، بل الخلق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره
▪{ الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها،
وله الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة،
قال تعالى: { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }.

ويقول ابن عاشور في تفسيره:-

▪ ((وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا لأنَّهما أولى بالذكر في هذا المقام ،
لأنّ العزيز ينصر من يريد نصره،والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يُعطاه.))





5 رمضان
الجزء الخامس

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا }(64)النساء

المعنى الإجمالي

💬يقول السعدي في تفسيره:-

▫ ((يخبر تعالى خبرا في ضمنه الأمر والحث على طاعة الرسول والانقياد له.
وأن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين ينقاد لهم المرسلُ إليهم في جميع ما أمروا به ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين تعظيم المطيع للمطاع...

ثم أخبر عن كرمه العظيم وجوده، ودعوته لمن اقترفوا السيئات أن يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال:
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} أي: معترفين بذنوبهم باخعين بها.
{ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }
أي: لتاب عليهم بمغفرته ظلْمَهم،
ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها،

وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك.))

وجه ختام الآية باسمي [التواب الرحيم]
يقول الطبري في تفسيره:-

▫ ((وأما قوله: " لوجدوا الله توابًا رحيمًا "،
 فإنه يقول: لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنبهم =
" لوجدوا الله توابًا "، راجعًا لهم مما يكرهون إلى ما يحبون
" رحيمًا " بهم، في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه.))

6 رمضان
الجزء السادس

{إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا }(149)النساء

المعنى الإجمالي

يقول السعدي في تفسيره:-
{ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ } ((وهذا يشمل كل خير قوليّ وفعليّ، ظاهر وباطن، من واجب ومستحب.
{ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ } أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم، فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه، فلهذا قال:
{ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا }
أي: يعفو عن زلات عباده وذنوبهم العظيمة فيسدل عليهم ستره،
ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته.
وفي هذه الآية إرشاد إلى التفقه في معاني أسماء الله وصفاته، وأن الخلق والأمر صادر عنها، وهي مقتضية له،
ولهذا يعلل الأحكام بالأسماء الحسنى، كما في هذه الآية.
لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء رتب على ذلك، بأن أحالنا على معرفة أسمائه وأن ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص.))

وجه ختام الآية باسمي [العفو القدير]
يقول الرازي في تفسيره:-

{فإن الله كان عفوا قديرا} وفيه وجوه :

الأول : أنه تعالى يعفو عن الجانبين مع قدرته على الانتقام ، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله تعالى وهو قول الحسن .

الثاني : إن الله كان عفوا لمن عفا ، قديرا على إيصال الثواب إليه.

الثالث : قال الكلبي : إن الله تعالى أقدر على عفو ذنوبك منك على عفو صاحبك .

7 رمضان
الجزء السابع

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (101) المائدة

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

(( ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم،
وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار،
فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة.
وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني،
فهذه الأسئلة، وما أشبهها هي المنهي عنها، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهذا مأمور به، كما قال تعالى:
{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
{ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }
 أي: وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن، فتسألون عن آية أشكلت، أو حكم خفي وجهه عليكم، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء،
{تبد لكم}، أي: تبين لكم وتظهر، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه.
{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي: سكت معافيا لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه.))

وجه ختام الآية باسمي [الغفور الحليم]
يقول الطبري في تفسيره:-

((" والله غفورٌ" والله ساتر ذنوب من تاب منها, فتارك أن يفضحه في الآخرة
" حليم  ذو أناة عن أن يعاقبه بها، لتغمده التائبَ منها برحمته، وعفوه, عن عقوبته عليها.))

ويقول سيد طنطاوي في تفسيره الوسيط:-

{وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
 (( أى: عفا الله عن كل ذلك، وهو- سبحانه- واسع المغفرة والحلم والصفح
ولذا لم يكلفكم بما يشق عليكم، ولم يؤاخذكم بما فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهي عنها.))

8 رمضان
الجزء الثامن

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }(128) الأنعام

المعنى الإجمالي
 يقول السعدي في تفسيره:-

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا }
(( أي: جميع الثقلين، من الإنس والجن، من ضل منهم، ومن أضل غيره،
فيقول موبخا للجن الذين أضلوا الإنس، وزينوا لهم الشر، وأزُّوهم إلى المعاصي:
{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ {أي: من إضلالهم، وصدهم عن سبيل الله، فكيف أقدمتم على محارمي، وتجرأتم على معاندة رسلي؟
وقمتم محاربين لله، ساعين في صد عباد الله عن سبيله إلى سبيل الجحيم؟
فاليوم حقت عليكم لعنتي، ووجبت لكم نقمتي وسنزيدكم من العذاب بحسب كفركم، وإضلالكم لغيركم.
وليس لكم عذر به تعتذرون، ولا ملجأ إليه تلجأون، ولا شافع يشفع ولا دعاء يسمع،
فلا تسأل حينئذ عما يحل بهم من النكال، والخزي والوبال، ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا،
وأما أولياؤهم من الإنس، فأبدوا عذرا غير مقبول فقالوا:
{ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي: تمتع كل من الجِنّي والإنسي بصاحبه، وانتفع به.
فالجنّي يستمتع بطاعة الإنسي له وعبادته، وتعظيمه، واستعاذته به.
والإنسي يستمتع بنيل أغراضه، وبلوغه بسبب خدمة الجِنّي له بعض شهواته، فإن الإنسي يعبد الجِنّي، فيخدمه الجِنّي، ويحصل له منه بعض الحوائج الدنيوية،
أي: حصل منا من الذنوب ما حصل، ولا يمكن رد ذلك،
{ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } أي: وقد وصلنا المحل الذي نجازي فيه بالأعمال،
فافعل بنا الآن ما تشاء، واحكم فينا بما تريد، فقد انقطعت حجتنا ولم يبق لنا عذر، والأمر أمرك، والحكم حكمك.
وكأن في هذا الكلام منهم نوع تضرع وترقق، ولكن في غير أوانه.
ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل، الذي لا جور فيه، فقال:
{ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا } ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمته وعلمه

ختم الآية بقوله: { إِنَّ رَبَّك َ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }
فكما أن علمه وسع الأشياء كلها وعمّها، فحكمته الغائية شملت الأشياء وعمتها ووسعتها.))




9 رمضان
الجزء التاسع

{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200) الأعراف

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره :-

 (( أي: أي وقت، وفي أي حال يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ
أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه.

فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
أي: التجئ واعتصم باللّه،
واحتم بحماه
فإنه سَمِيعٌ لما تقول.
علِيمٌ بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له،
فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته،
كما قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخر السورة.))

وجه ختام الآية باسمي [السميع العليم]

يقول الطبري في تفسيره :-
 (إنه سميع عليم)،
إن الله الذي تستعيذ به من نـزع الشيطان
 (سميع) لجهل الجاهل عليك،
ولاستعاذتك به من نـزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه, لا يخفى عليه منه شيء

 (عليم) بما يذهب عنك نـزغ الشيطان، وغير ذلك من أمور خلقه...))


10 رمضان
الجزء العاشر

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(63) الأنفال

المعنى الإجمالي
يقول ابن عاشور في تفسيره:-

▪ ((والتأليف بين قلوب المؤمنين مِنّة أخرى على الرسول ،
إذ جعَل أتباعه متحابّين وذلك أعون له على سياستهم ، وأرجى لاجتناء النفع بهم ، إذ يكونون على قلب رجل واحد ،

وقد كان العرب يفضلون الجيش المؤلف من قبيلة واحدة ، لأنّ ذلك أبعد عن حصول التنازع بينهم .

وهو أيضاً منة على المؤمنين إذ نزع من قلوبهم الأحقاد والإحن ، التي كانت دأب الناس في الجاهلية ، فكانت سبب التقاتل بين القبائل ، بعضها مع بعض ، وبين بطون القبيلة الواحدة .

فلمّا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم انقلبت البغضاء بينهم مودّة ،
كما قال تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [ آل عمران : 103 ] ،

وما كان ذلك التآلف والتحابّ إلاّ بتقدير الله تعالى فإنّه لم يحصل من قبل بوشائِج الأنساب ، ولا بدعوات ذوي الألباب

{ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم } أي ولكن تكوين الله يلين به الصلب ويحصل به المتعذر.))

وجه ختام الآية باسمي [العزيز الحكيم]
يكمل ابن عاشور قائلا:-

 ((وإذْ كان هذا التكوين صنعاً عجيباً ذَيّل الله الخبر عنه
بقوله :{ إنه عزيز حكيم } أي
قوي القدرة فلا يعجزه شيء ،
محكم التكوين فهو يكوّن المتعذر ، ويجعله كالأمر المسنون المألوف..))

ويقول الطبري في تفسيره :-

▪ (( قوله: (إنه عزيز حكيم)،

إن الله الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما، وجعلهم لك أنصارًا
 (عزيز)، لا يقهره شيء، ولا يردّ قضاءه رادٌّ, ولكنه ينفذ في خلقه حكمه. فعليه فتوكل, وبه فثق

 (حكيم)، في تدبير خلقه.))
11رمضان
الجزء 11

{لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(110)التوبة

المعنى الإجمالي

يقول السعدي في تفسيره :-
▫ ((‏{‏لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏ ⬅️شكا، وريبا ماكثا في قلوبهم، ‏

{‏إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏}‏ بأن يندموا غاية الندم ويتوبوا إلى ربهم، ويخافوه غاية الخوف،
فبذلك يعفو اللّه عنهم،
وإلا فبنيانهم لا يزيدهم إلا ريبا إلى ريبهم، ونفاقا إلى نفاقهم‏.‏))

من فوائد الآية
ذكر السعدي عدة فوائد منها:-

1((كل عمل فيه مضارة لمسلم، أو فيه معصية للّه، فإن المعاصي من فروع الكفر،
أو فيه تفريق بين المؤمنين، أو فيه معاونة لمن عادى اللّه ورسوله،
فإنه محرم ممنوع منه، وعكسه بعكسه‏.‏

2ومنها‏:‏أن الأعمال الحسية الناشئة عن معصية الله لا تزال مبعدة لفاعلها عن الله بمنزلة الإصرار على المعصية حتى يزيلها ويتوب منها توبة تامة بحيث يتقطع قلبه من الندم والحسرات‏.‏

3ومنها‏:‏ أن العمل المبني على الإخلاص والمتابعة، هو العمل المؤسس على التقوى، الموصل لعامله إلى جنات النعيم‏.‏
والعمل المبني على سوء القصد وعلى البدع والضلال،
هو العمل المؤسس على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنم، واللّه لا يهدي القوم الظالمين‏.))

وجه ختام الآية باسمي [العليم الحكيم]
💬يقول الطبري في تفسيره:-

 (والله عليم)، بما عليه هؤلاء المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار، من شكهم في دينهم، وما قصدوا في بنائهم وأرادوه،
وما إليه صائرٌ أمرهم في الآخرة، وفي الحياة ما عاشوا, وبغير ذلك من أمرهم وأمر غيرهم

 (حكيم)، في تدبيره إياهم، وتدبير جميع خلقه.))

12 رمضان
الجزء 12

{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }(73)هود

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره :-

{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فإن أمره لا عجب فيه،
لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه، لأهل هذا البيت المبارك.

{ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ } أي: لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته،
وهي: الزيادة من خيره وإحسانه، وحلول الخير الإلهي على العبد
{ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ }
أي: حميد الصفات، لأن صفاته صفات كمال،
حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط.
مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها.))

وجه ختام الآية باسمي [الحميد المجيد]
يقول سيد طنطاوي في تفسيره الوسيط :-

 (( وقوله- سبحانه- إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ تذييل بديع قصد به

وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل.

أى إنه- سبحانه- حَمِيدٌ أى: مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده
مجِيدٌ أى: كريم واسع الإحسان، فليس بعيدا منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر.))

اقتران [ الحميد المجيد]

عن المعنى الزائد في اقتران هذين الاسمين الكريمين يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

▫"والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله،
فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود، فمن أحببته ولم تُثْن عليه لم تكن حامدًا له، وكذا من أثنيت عليه لغرضٍ ما ولم تُحبه لم تكن حامدًا له حتى تكونَ مثنيًا عليه محبًا،

وهذا الثناء والحب تَبَعٌ للأسباب المقتضية له،
وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال، ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير،
فإن هذه هي أسباب المحبة، وكلما كانت هذه الصفات أجمع وأكمل، كان الحمد والحب أتَمَّ وأعظم.

والله سبحانه له الكمالُ المطلق الذي لا نقصَ فيه بوجهٍ ما، والإحسان كلُّه له ومنه،
فهو أحقُّ بكلِّ حمد،ٍ وبكل حب من كل جهة، فهو أهلٌ أنْ يُحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، ولكل ما صدر منه سبحانه.

وأما المجد فهو مستلزم للعظمة، والسعة، والجلال، كما يدل عليه موضوعه في اللغة،
فهو دَالٌّ على صفات العظمة والجلال،
والحمد يدل على صفات الإكرام والله سبحانه ذو الجلال والإكرام"،

ولله الأسماء الحسنى- عبد العزيز الجليل


13 رمضان
الجزء 13

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 16 الرعد .

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▪ (( أي: قل لهؤلاء المشركين به أوثانا وأندادا يحبونها كما يحبون الله، ويبذلون لها أنواع التقربات والعبادات:
أفتاهت عقولكم حتى اتخذتم من دونه أولياء تتولونهم بالعبادة وليسوا بأهل لذلك؟

فإنهم {لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا}
وتتركون ولاية من هو كامل الأسماء والصفات، المالك للأحياء والأموات، الذي بيده الخلق والتدبير والنفع والضر؟

فما تستوي عبادة الله وحده، وعبادة المشركين به، كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات والنور.

فإن كان عندهم شك واشتباه، وجعلوا له شركاء زعموا أنهم خلقوا كخلقه وفعلوا كفعله،
فأزلْ عنهم هذا الاشتباه واللبس بالبرهان الدال على توحد الإله بالوحدانية،
فقل لهم: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
فإنه من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه.
ومن المحال أيضا أن يوجد من دون خالق،
فتعين أن لها إلها خالقا لا شريك له في خلقه لأنه الواحد القهار،

فإنه لا توجد الوحدة والقهر إلا لله وحده، فالمخلوقات وكل مخلوق فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر قاهر أعلى منه، حتى ينتهي القهر للواحد القهار،))

وجه ختام الآية باسمي [الواحد القهار]
يكمل السعدي قائلا:-

 ((فالقهر والتوحيد متلازمان متعينان لله وحده، فتبين بالدليل العقلي القاهر، أن ما يدعى من دون الله ليس له شيء من خلق المخلوقات وبذلك كانت عبادته باطلة.))

ويقول عبد العزيز الجليل:-

▪ ((إن من موجبات اسمه (الواحد) في ربوبيته وملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته أن يكون قاهرًا قهارًا غالبًا لكل شيء

لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وما من دابة إلا هو سبحانه آخذ بناصيتها ماض فيها حكمه عدل فيها قضاؤه
وكونه تعالى (الواحد) يقتضي كونه (القهار).))

14 رمضان
الجزء 14

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} .النحل 70

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▪ (( يخبر تعالى أنه الذي خلق العباد ونقلهم في الخلقة، طورا بعد طور،
ثم بعد أن يستكملوا آجالهم يتوفاهم،
ومنهم من يعمره حتى {يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} ⬅️أي: أخسه الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة حتى العقل الذي هو جوهر الإنسان يزيد ضعفه حتى إنه ينسى ما كان يعلمه، ويصير عقله كعقل الطفل

ولهذا قال: {لِكَيلا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}

أي: قد أحاط علمه وقدرته بجميع الأشياء ومن ذلك ما ينقل به الآدمي من أطوار الخلقة، خلقا بعد خلق كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}))

وجه ختام الآية باسمي [عليم قدير]

يقول سامي القدومي في كتابه التفسير البياني:-

▫ (( ذكرت كلمة (عليم) قبل ذكر كلمة (قدير)؛ لأنه لا بد أن يسبق العلم الفعل حتى يكون صوابا.

لماذا ذكرت هذه الخاتمة في هذه الآية (عليم قدير) دون غيرها من الخاتمات؟

ذكرت هذه الخاتمة في هذه الآية (عليم قدير) دون غيرها من الخاتمات؛
لأن في الآية بيان كمال الله، وبيان نقص العباد،
فالله عليم، ولكن الإنسان ليس عليما، بل أعطاه الله العلم بقدرته سبحانه،
وهو سبحانه قادر على أن يسترد العلم من الإنسان كما أعطاه حتى (لا يعلم بعد علم شيئا).


وختمت الآية بـ (قدير)؛ لأن الله هو وحده القدير، وأما قدرة البشر فهي عطاء من الله سبحانه يعطيه متى شاء ويسترده متى شاء (والله خلقكم ثم يتوفاكم)

15 رمضان
الجزء 15

{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الإسراء 96

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▪ (( وهذا من رحمته بهم، أن أرسل إليهم بشرًا منهم،
فإنهم لا يطيقون التلقي من الملائكة.
فلو {كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ}
يثبتون على رؤية الملائكة والتلقي عنهم؛
{لَنزلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا} ليمكنهم التلقي عنه.

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}
فمن شهادته لرسوله ما أيده به من المعجزات،
وما أنزل عليه من الآيات،
ونصره على من عاداه وناوأه.

فلو تقول عليه بعض الأقاويل، لأخذ منه باليمين، ثم لقطع منه الوتين،
فإنه خبير بصير، لا تخفى عليه من أحوال العباد خافية.))

وجه ختام الآية باسمي [الخبير البصير]
يقول صاحب التفسير المنير:-

▪ (( إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
أي إن اللّه سبحانه عليم بأحوال عباده ،
يعلم ظواهرهم وبواطنهم ،
وخبير بمن يستحق الهداية ، ممن يستحق الضلالة ،
مطلع على ما في قلوبهم ،
فهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا حسدا وحبا للزعامة ، وإعراضا عن قبول الحق.
وفي ذلك تهديد ووعيد ، وإيناس للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيما يلقاه من صدود قومه وعنادهم.))
ويقول عبد العزيز الجليل:-

 (( واقتران (الخبير) مع (البصير) يفيد شمول علم الله تعالى للبواطن والحقائق، وكذلك للذوات والمشاهدات والمبصرات.))

16 رمضان
الجزء 16

{رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }(65)مريم

المعنى الإجمالي

يقول القرطبي في تفسيره:-

▪ (( قوله تعالى : رب السماوات والأرض وما بينهما أي ربهما وخالقهما وخالق ما بينهما ومالكهما ومالك ما بينهما ؛
فكما إليه تدبير الأزمان كذلك إليه تدبير الأعيان .
فاعبده أي وحده لذلك...

وإذا ثبت أنه مالك ما بين السماء والأرض دخل في ذلك اكتساب الخلق ،
ووجبت عبادته لما ثبت أنه المالك على الإطلاق ،
وحقيقة العبادة الطاعة بغاية الخضوع ، ولا يستحقها أحد سوى المالك المعبود

واصطبر لعبادته أي لطاعته ولا تحزن لتأخير الوحي عنك ، بل اشتغل بما أمرت به ،...))

ويقول السعدي في تفسيره:-

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }
 ((أي: هل تعلم لله مساميا ومشابها ومماثلا من المخلوقين.

وهذا استفهام بمعنى النفي، المعلوم بالعقل.
أي: لا تعلم له مساميا ولا مشابها،
لأنه الرب، وغيره مربوب،
الخالق، وغيره مخلوق،
الغني من جميع الوجوه، وغيره فقير بالذات من كل وجه،
الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وغيره ناقص ليس فيه من الكمال إلا ما أعطاه الله تعالى،

فهذا برهان قاطع على أن الله هو المستحق لإفراده بالعبودية، وأن عبادته حق، وعبادة ما سواه باطل،

فلهذا أمر بعبادته وحده، والاصطبار لها،
وعلل ذلك بكماله وانفراده بالعظمة والأسماء الحسنى.))

17 رمضان
الجزء 17

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} الحج 62.

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▫ (({ذَلِكَ} صاحب الحكم والأحكام {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} أي:
الثابت، الذي لا يزال ولا يزول،
الأول الذي ليس قبله شيء،
الآخر الذي ليس بعده شيء،
كامل الأسماء والصفات، صادق الوعد،
الذي وعده حق ولقاؤه حق، ودينه حق، وعبادته هي الحق، النافعة الباقية على الدوام.

{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} من الأصنام والأنداد، من الحيوانات والجمادات، {هُوَ الْبَاطِلُ}
الذي، هو باطل في نفسه،
وعبادته باطلة، لأنها متعلقة بمضمحل فان، فتبطل تبعا لغايتها ومقصودها،

{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
العلي في ذاته، فهو عال على جميع المخلوقات
وفي قدره، فهو كامل الصفات،
وفي قهره لجميع المخلوقات،

الكبير في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته،
الذي من عظمته وكبريائه، أن الأرض قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه،
ومن كبريائه، أن كرسيه وسع السماوات والأرض،
ومن عظمته وكبريائه، أن نواصي العباد بيده، فلا يتصرفون إلا بمشيئته، ولا يتحركون ويسكنون إلا بإرادته.

وحقيقة الكبرياء التي لا يعلمها إلا هو، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل،
أنها كل صفة كمال وجلال وكبرياء وعظمة، فهي ثابتة له،
وله من تلك الصفة أجلها وأكملها،
ومن كبريائه، أن العبادات كلها، الصادرة من أهل السماوات والأرض، كلها المقصود منها، تكبيره وتعظيمه، وإجلاله وإكرامه، ولهذا كان التكبير شعارا للعبادات الكبار، كالصلاة وغيرها.

18 رمضان
الجزء 18

{ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَاكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. النور 21

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

▪ (( ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموما فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}⬅️ أي: طرقه ووساوسه.

وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن.
ومن حكمته تعالى، أن بين الحكم، وهو: النهي عن اتباع خطوات الشيطان.
والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضي، والداعي لتركه
فقال: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ} أي: الشيطان
{يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه.
{وَالْمُنْكَرِ} وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه.
فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك،
فنهي الله عنها للعباد، نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه،
لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح، فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها،

{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} أي: ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان،
لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي،
فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات،
فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها "
ولهذا قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} من يعلم منه أن يزكى بالتزكية، ولهذا قال: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.))

وجه ختام الآية باسمي[سميع عليم]
يقول ابن عاشور في تفسيره:-

▪ ((وقوله : {والله سميع عليم} تذييل بين الوعد والوعيد ،
أي سميع لمن يشيع الفاحشة،
عليم بما في نفسه من محبّة إشاعتها،
وسميع لمن ينكر على ذلك ،
عليم لما في نفسه من كراهة ذلك فيجازي كلاً على عمله.))



19رمضان
الجزء 19

{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)الفرقان

المعنى الإجمالي
يقول السعدي في تفسيره:-

 ((قال الله مسليا لرسوله ومخبرا أن هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم
فقال: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ }
 أي: من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل.
من بعض فوائد ذلك أن يعلو الحق على الباطل
وأن يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما
لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال
وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة وبأهل الباطل من العقوبة،

فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات

{ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا } يهديك فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك.
{ وَنَصِيرًا } ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كل مكروه في أمر الدين والدنيا
فاكتف به وتوكل عليه.

وجه ختام الآية باسمي [هاديا ونصيرا]
يقول الطبري في تفسيره:-

 ( وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)
يقول تعالى ذكره لنبيه: وكفاك يا محمد بربك هاديا يهديك إلى الحقّ, ويبصرك الرشد,
ونصيرا: ناصرا لك على أعدائك,
فلا يهولنك أعداؤك من المشركين, فإني ناصرك عليهم, فاصبر لأمري, وامض لتبليغ رسالتي إليهم.))