ورد
اسمه سبحانه (المهيمن) مرة واحدة في القرآن الكريم
في قوله
تعالى: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ } [الحشر: 23].
معناه
في حق الله تعالى:
قال
ابن كثير:
"قال
ابن عباس وغير واحد أي: الشاهد على خلقه بأعمالهم، بمعنى هو رقيب عليهم
كقوله:
: { ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) } [يونس: 46].
وقال
السعدي رحمه الله تعالى: " (المهيمن) المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور الذي
أحاط بكل شيء علمًا".
وقد
وصف الله - تبارك وتعالى - كتابه وهو القرآن بأنه مهيمن على الكتب السابقة،
قال:
{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة: 48].
فالقرآن
الكريم حاكم على الكتب من قبله، فقد جاء بأحسن ما فيها، ونسخ منها ما نسخه،
وقصّ
على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، فأظهر تحريفهم ، وأظهر الحق الذي تضمنته
الكتب السابقة.
ولله
اﻷسماء الحسنى -عبد العزيز الجليل
من آثار
الإيمان باسمه سبحانه (المهيمن(
أولاً:
لما كان من معاني (المهيمن) أنه الشاهد على خلقه بما يصدر منهم من قول أو عمل لا يغيب
عنه من أعمالهم الباطنة والظاهرة شيء،
↩فإن هذا الإيمان يثمر مراقبة الله - عز وجل - في
السر والعلانية،
ويثمر
الخوف منه وإجلاله وتعظيمه.
ثانيًا:
ولما كان من معاني (المهيمن) القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم
↩فإن الإيمان بهذا يثمر محبة الله - عز وجل -
والتقرب
إليه بالطاعات والقربات تعبدًا له - عز وجل - وحبًا والتماسًا لمرضاته، وشكرًا له على
نعمائه وأفضاله وإحسانه،
كما
يثمر التوكل عليه وحده وتفويض الأمور إليه.
ثالثًا:
ولما كان من صفات القرآن الكريم الذي هو كلام الله - عز وجل - أنه (مهيمن) على ما سبق
من الكتب السماوية التي قبله
لقوله
سبحانه:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}
فإن
الإيمان بهذا يثمر تعظيم كتاب الله - عز وجل - ومحبته والفرح به أعظم الفرح.
وحمد
الله عز وجل وشكره على الهداية إليه،
قال
الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
} [يونس: 58،57]،
وهذا
يقتضي الحكم به والتحاكم إليه والعمل به ورفض ما سواه.
ولله
اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
تعظيم
اسم الله [المبين]
ورد
اسمه سبحانه (المبين) في القرآن الكريم مرة واحدة وذلك في قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ
يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
الْمُبِينُ (25) } [النور: 25].
معنى
اسم "المبين" في حق الله تعالى:
قال
ابن جرير - رحمه الله تعالى - "وقوله: { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
الْمُبِينُ (25) } [النور: 25]،
▪يقول يعلمون يومئذٍ
أنَّ الله هو الحق الذي يُبيِّنُ لهم حقائق ما كان يعدهم في الدنيا من العذاب،
▪ويزول حينئذٍ الشك
فيه عن أهل النفاق الذين كانوا فيما يَعدهم في الدنيا يمترون".
وقال
الزجاجي بعد أن بين المعنى اللغوي للاسم:
▪".. فالله
تبارك وتعالى المبين لعباده سبيلَ الرشاد، والموضِّح لهم الأعمال الموجبة لثوابه والأعمال
الموجبة لعقابه،والمبين لهم ما يأتونه ويَذَرُونه".
وقال
الخطابي: " (المبينُ) هو البَيِّنُ أمْرُهُ في الوحدانية، وأنه لا شريك له".
♦وفي ضوء ما سبق يظهر لنا أن (المبين) له معنيان:
الأول:
ظهور الله - عز وجل - بظهور الأدلة على وجوده ووحدانيته في ربوبيته وألوهيته وأسمائه
وصفاته، واستقرار ذلك في العقول والفطر،
يضاف
إليها الأدلة السمعية التي أنزلها الله - عز وجل - في كتبه وعلى لسان رسله عليهم الصلاة
والسلام.
الثاني:
إظهار الله - عز وجل - الحق للخلق وإبانته لهم ومن ذلك تعريفه نفسه سبحانه لعباده وإقامته
الأدلة الواضحة البينة على كمال أسمائه وصفاته المقتضية لوحدانيته وإفراده وحده بالعبادة.
وقد
وصف الله - عز وجل - كتابه الكريم بأنه (مبين)
كما
في قوله - عز وجل -: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) } [يوسف: 1]،
ووصف
نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه (مبين) كما في قوله سبحانه: { أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى
وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) } [الدخان:13].
وقوله
سبحانه: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا
نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) } [الأعراف: 184].
ففي
القرآن البيان الشامل الواضح لكل ما يحتاجه بنو الإنسان في حياتهم بأفصح عبارة وأجمل
أسلوب.
▪في القرآن بيان كل
شيء من البداية إلى النهاية، حتى يستقر أهل الجنة في نعيمهم وأهل النار في جحيمهم.
▪فمعرفة الله ومعرفة
أسمائه وصفاته، وما يجب له تعالى وما لا يجب، والعقيدة الإسلامية، وأحكام العبادات
والمعاملات، وجميع الشؤون الاجتماعية، والأحوال الشخصية،
▪وكل ما تحتاجه المجموعة
البشرية، في كل زمان ومكان،
▪وأحكام المعاد والبعث
والنشور، والحساب والجزاء والعقاب وغير ذلك مما هو مبين وموضح،
وصدق
الله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام 38]،
{ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ
تَفْصِيلًا (12) } [الإسراء: 12]".
ولله
الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار
الإيمان باسمه سبحانه (المبين(
أولاً:
محبته سبحانه المتجلية في رحمته سبحانه لعباده،
▫حيث أبان لهم الحق
والآيات في الآفاق وفي الأنفس الدالة على وجوده سبحانه ووحدانيته،
▫وأقام عليهم الحجة
بإنزال الكتب وإرسال الرسل الذين يعرفون الخلق بربهم سبحانه وأسمائه وصفاته وما تقتضيه
من إفراده سبحانه بربوبيته وألوهيته،
▫وتجريد المحبة والإخلاص
والخوف والرجاء له وحده؛
↩حيث أبان لهم الخير وحثهم عليه، وعرَّفهم بالشر
وحذرهم منه؛ وذلك في كتابه وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا:
قيام الحجة على الخلق بهذا البيان مع ما قام في العقول والفطر من الآيات البينات الدالة
على وحدانيته سبحانه وتفرده بالخلق والأمر،
▫ولكن من رحمته سبحانه
أنه لا يعذب عباده بحجة العقل والفطرة،
وإنما
بعد إرسال الرسل وبيانهم للناس
كما
قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } [الإسراء:
15]،
وقوله
سبحانه: { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) } [النساء: 165].
ثالثًا:
الإعجاز البياني للقرآن الكريم الذي هو كلام الله عز وجل (المبين) الذي تحدى عظماء
العرب وبلغاءهم بأن يأتوا بآية من مثله فلم يستطيعوا،
وهذا
من الأدلة الكثيرة على أن القرآن كلام الله - عز وجل - منه بدأ وإليه يعود.
ولله
الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
تعظيم
اسم الله[المحيط]
ورد
اسمه سبحانه (المحيط) ثماني مرات في كتابه الكريم ومن ذلك:
قوله
تعالى: { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } [البقرة: 19].
وقوله
سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) } [آل عمران: 120].
المعنى
اللغوي
قال
الزجاجي: "المحيط في اللغة اسم الفاعل، من قولهم: أحاط فلان بالشيء
↩فهو محيط به إذا استولى عليه، وضم جميع أقطاره ونواحيه،
حتى لا يمكن التخلص منه ولا فوته.
♦فالله - عز وجل - محيط بالأشياء كلها لأنها تحت قدرته لا يمكن شيء منها
الخروج عن إرادته فيه ولا يمتنع عليه منها شيء".
المعنى
في حق الله عز وجل :
قال
الطبري - رحمه الله تعالى - في قوله: { أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } :
"يقول
تعالى ذكره: ألا إن الله بكلِّ شيءٍ مما خلق محيطٌ علمًا بجميعه وقدرته عليه، لا يَعزب
عنه علم شيء منه أراده فيفوته، ولكنه المُقتدر عليه العالم بمكانه".
وقد
قال الله عز وجل: { أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } [الطلاق: 12]،
أي:
علم كل شيءٍ على حقيقته، بجميع صفاته فلم يخرج شيء منها عن علمه.
وقد
قال الله تعالى: : { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ }
قال
المفسرون: تأويله: مُهلك الكافرين، حقيقته أنهم لا يُعْجزونه ولا يفوتونه فهو مُحيطٌ
بهم".
وقال
الخطابي رحمه الله تعالى: " (المحيطُ) هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الذي
أحاطَ بكل شيٍء علمًا، وأحصى كلَّ شيءٍ عددًا".
ويقول
ابن القيم :
"قد دلَّ
العقل والفطرة، وجميع كتب الله السماوية على أن الله تعالى عالٍ على خلقه؛ فوق جميع
المخلوقات، وهو مستوٍ على عرشه ، وعرشه فوق السماوات كلِّها،
فهو
سبحانه (مُحيطٌ) بالعالم كلِّه".
وقال
السعدي رحمه الله تعالى: " (المحيط) بكل شيء علمًا وقدرة ورحمة وقهرًا".
ولله
الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار
الإيمان باسمه سبحانه (المحيط(
أولاً:
الخوف من الله - عز وجل- والحياء منه ومراقبته سبحانه في كل خطرة ولفظة ولحظة وخطوه،
↩لأن علمه سبحانه محيط بكل شيء ولا يخفى عليه شيء
دق أو جل خفي أم ظهر.
ثانيًا:
البعد عن ظلم العباد والاعتداء عليهم،
↩ذلك بأن الله - عز وجل - قد أحاطت قدرته بكل شيء،
فلا يفوته شيء ولا يعجزه شيء،
فتذكر
هذه القدرة المحيطة تمنع العبد من الاغترار بقدرته على الناس وظلمهم،
↩لأن قدرة الله - عز وجل - فوق قدرته وهو القاهر
الذي أحاط قهره بكل شيء، وما من دابة إلا هو سبحانه آخذ بناصيتها.
ثالثًا:
إن الإيمان بإحاطة قدرته سبحانه وقهره لكل شيء تثمر في القلب
الاستهانة
بقوة المخلوق من الأعداء الكفرة والمنافقين بعد الأخذ بأسباب المدافعة لشرهم،
↩لأن الله - عز وجل - محيط بهم وقاهر لهم.
♦وإذا حصل التقوى والصبر من المؤمنين فلن يضرهم كيد الكائدين لأن الله
- عز وجل - بما يعملون ويكيدون محيط.
قال
سبحانه: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) } [آل عمران: 120].
ولله
الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
تعظيم
اسم الله "المقيت"
ورد
ذكر اسمه سبحانه (المقيت) مرة واحدة في القرآن الكريم
في قوله
تعالى: { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ
شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
مُقِيتًا (85) } [النساء: 85].
المعنى
في حق الله تعالى:
قال
الخطابي: "المقيت بمعنى القدير، والمقيت أيضًا: معطي القوت"
وقال
ابن العربي: "وعلى القول بأنه (القادر) يكون من صفات الذات، وإن قلنا إنه اسم
للذي يعطي القوت فهو اسم للوهاب والرزاق ويكون من صفات الأفعال".
وقال
القرطبي - رحمه الله - في التفسير: "وقال أبو عبيدة: المقيت الحافظ، وقال الكسائي:
المقيت المقتدر.
وقال
النحاس: وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القوت، والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان"
وقال
الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "المقيت الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات، وأوصل
إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء بحكمته وحمده".
♦ هناك فرقًا بين اسم المقيت واسم الرزاق
فالمقيت
أخص من الرزاق؛
↩لأنه يختص بالقوت،
أما
الرزاق فيتناول القوت وغير القوت.
▫فالمقيت سبحانه يقدر
حاجة الخلائق بعلمه، ثم يسوقها إليهم بقدرته، ليقيتهم بها ويحفظهم.
قال
الله - عز وجل -: { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } [فصلت: 10].
قال
ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية: "وقدر فيها أقواتها وهو ما يحتاج
أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس".
ولله
اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار
الإيمان باسمه سبحانه (المقيت(
أولاً:محبته
سبحانه المحبة الحقيقية التي تثمر توحيده سبحانه وإخلاص العبادة له لا شريك له؛
↩ لأنه سبحانه الخالق الرازق المتصرف في شؤون خلقه
المحيي المميت لهم، المتكفل بحفظ حياتهم وأرزاقهم
فكيف
يعرض الكثير من عبيده عن عبادته إلى عبادة غيره من المخاليق الضعاف الذين لا يملكون
موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولا يملكون رزقًا ولا حفظًا لأنفسهم فضلاً عن أن يملكوه
لغيرهم؟
ثانيًا:
الاعتماد على الله وحده والتوكل عليه سبحانه في طلب الرزق وجلب النفع ودفع الضر؛
↩ لأنه سبحانه الذي يملك ذلك كله لا شريك له، وهذا
لا يمنع الأخذ بالأسباب المتاحة مع عدم التعلق بها،
لأن
خالق الأسباب ومسبباتها هو الله سبحانه، وهذا التعلق بالله وحده يسكب الطمأنينة والرضى
في القلب،
فلا
تتعاوره المخاوف والهواجس ولا يعتريه القلق والهلع على الرزق والأجل.
ثالثًا:
التوجه إلى الله - عز وجل - وحده في طلب القوت والرزق وبخاصة قوت القلوب من الإيمان،
والهدى، والإخلاص، والإخبات، وغيرها من أعمال القلوب، وهذا هو القوت الحقيقي الذي إذا
حصل للعبد فلا يضره ما فاته من قوت الأبدان،
⤴وهذا هو القوت الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه
وسلم حينما قيل له: إنك تواصل الصوم فقال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين).
ولله
اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
تعظيم اسمي
الله[القابض]، [الباسط]
لم يرد هذان الاسمان
في القرآن الكريم،
وإنما وردا بصيغة
الفعل كما في قوله سبحانه { وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(245) } [البقرة: 245]
أما الحديث النبوي
فقد ورد فيه ذكر هذين الاسمين الكريمين كما في سنن أبي داود وابن ماجه
عن أنس - رضي الله
عنه - قال: قال الناس : يارسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
(إن الله هو المسعر، القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله
وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال).
معنى الاسمين في حق
الله تعالى:
قال الهراس :-
"هذه الأسماء الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا يجوز أن يفرد
أحدها عن قرينه
ولا أن يثنى على الله
- عز وجل - بواحد منها إلا مقرونًا بمقابله،
فلا يجوز أن يفرد
القابض عن الباسط ولا الخافض عن الرافع...
قال: لأنَّ الكمال
المطلق إنما يَحصل بمجموع الوصفين.
فهو سبحانه القابض
الباسط، يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات،
ويبسط الأرواح في
الأجساد عند الحياة،
ويقبض الصدقات من
الأغنياء، ويَبسط الأرزاق للضعفاء،
ويبسط الرزق لمن يشاء
حتى لا تبقى فَاقة، ويَقبضه عمن يشاء حتى لا تبقى طاقة.
ويقبض القلوب
فَيُضيِّقها حتى تصير حَرجَا كأنما تصَّعَّدَ في السماء، ويبسطها بما يُفيض عليها
من معاني بِره ولُطفه وجماله،
قال تعالى: { فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ
أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي
السَّمَاءِ } " [الأنعام: 125]
ولله الأسماء الحسنى
- عبد العزيز الجليل
من معاني [القابض
الباسط]
يقول الزجاجي :
▪"
(القابض): اسم الفاعل من قبض فهو قابض المفعول مقبوض، وذلك على ضروب.
فأما في هذه الآية
التي ذُكر فيها هذا الحَرْف في سورة البقرة
في قوله عز وجل: {
وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } [البقرة: 245]،
فقالوا: تأويله:
يُقتِّر على مَن يشاء، ويوسع على مَن يشاء على حسب ما يرى من المصلحة لعباده.
▫فالقَبضُ ها هنا: التَّقتير والتَّضييق.
▫والبسط: التَّوْسعة في الرزق والإكثار منه.
▪فالله - عز وجل - القابضُ الباسط، يُقَتِّر على من يشاء، ويُوسِّع على
من يشاء.
ومخرجُ ذلك من اللغة،
أن أصلَ القبض: ضَمُّ
الشيء المنبسط من أطرافه، فيَقْبضه القابض إليه أولاً حتى يَحوزه ويجمعه.
والبَسط: نَشرُ الشيء
المجتمع أو المنضم أو المطوي.
▪فمن قُبضَ رزقُه فقد ضُيِّقَ عليه، ومَن بُسط رزقه فقد فُسح له فيه
ووسع عليه.
▪والباسط الفاعل من بسط يََبسط فهو باسط،
▫فالله - عز وجل - كما ذكرنا باسط رزق مَن أراد من عباده أن يوسع عليه،
ومقتر على من أراد، كما يَرى في ذلك من المصلحة لهم،
وهو كما قال عز وجل:
{ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ
يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ } [الشورى: 27]...
▪والباسط أيضًا: باسطُ الشيء الذي ليس بمفروش يَبسطه ويفرشه، كما
بَسَطَ الأرضَ للأنَام، وبثَّ فيها أقواتهم".
ولله الأسماء الحسنى
- عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان
بهذين الاسمين الكريمين[ القابض الباسط]
"من الأدب في هذين الاسمين الكريمين أن يذكرا معًا؛
لأن تمام القدرة
والحكمة بذكرهما معًا
ألا ترى أنك إذا قلت:
إلى فلان قبض أمري وبسطه دلا بمجموعهما أنك تريد أن جميع أمرك إليه،
وتقول: ليس إليك من
أمري بسط ولا قبض، ولا حل ولا عقد أراد ليس إليك منه شيء... ".
ويقول الخطابي:
"وإذا ذكرت القابض مفردًا عن الباسط كنت كأنك قد قصرت بالصفة على المنع
والحرمان،
وإذا وصلت أحدهما
بالآخر فقد جمعت بين الصفتين منبئًا عن وجه الحكمة فيها".
فالله سبحانه وتعالى
يقبض ويبسط بعلمه وحكمته، وقدرته وقهره، والكمال في اقتران هذين الاسمين الكريمين.
ومن آثار الإيمان
بهذين الاسمين الكريمين مقترنين ما يلي:
▪أولاً: محبة الله - عز وجل - الذي بيده البسط والسعة، وبيده القبض
والتضيق، وهو العليم الحكيم،
وهذا يثمر المحبة لله
تعالى والأنس به، وفي نفس الوقت يثمر الخوف منه سبحانه وإجلاله وتعظيمه،
وهذا كله يثمر تجريد
التوحيد له سبحانه والصدق والإخلاص في عبادته لا شريك له؛ لأنه لا أحد من خلقه
يملك البسط والقبض في كل شيء.
▪ثانيًا: تجريد التوكل عليه وحده وتفويض الأمور إليه سبحانه،
ذلك أنه القابض
الباسط وحده، إذ لا باسط لما قبض، ولا قابض لما بسط،
كما جاء في دعائه-
عليه الصلاة والسلام - والذي منه: (اللَّهم لك الحمد كله ، اللَّهم لا قابض لما
بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت
ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت، اللَّهم ابسط علينا
من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك...) الحديث
فمن هذه صفاته فهو
المستحق لأن يتوكل عليه وحده ويستعان ويستغاث به وحده.
▪ثالثًا: الرضا بما يقسم الله - عز وجل - من رزق وغيره، سواء كان بسطًا
أو قبضًا؛
لأنه سبحانه الحكيم
العليم بخلقه وما يصلح لهم فله الحمد على كل أفعاله، وله الحمد في خلقه وأمره.
قال الله - عز وجل -:
{ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ
وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
(27) } [الشورى: 27]،
ويقول سبحانه: {
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) } [العنكبوت: 62].
قال ابن الحصار:
"وهذان الاسمان يختصان بمصالح الدنيا والآخرة...
وذلك يتضمن قوام
الخلق باللطف والخبرة، وحسن التدبير والتقدير، والعلم بمصالح العباد في الجملة،
والتفاصيل
وبحسب ذلك يرسل
الرياح ويسخر السحاب فيمطر بلداً ويمنع غيره، ويقل ويكثر وكذلك يصرف جملة العوالم
لجملة العالمين".
ولله الأسماء الحسنى
- عبد العزيز الجليل
تابع من آثار الإيمان
بهذين الاسمين الكريمين
[ القابض الباسط]
▪رابعًا: سؤال الله - عز وجل - أعظم البسط وأفضله، وهو بسط الرحمة
والهداية على القلب حتى يستضيء بنور الإيمان ويتخلص من آثار الذنوب
كما قال تعالى: {
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ
} [الزمر: 22]
وضد ذلك أعظم القبض
والتضييق وهو كما في قوله تعالى:
{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا
كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } [الأنعام: 125].
▪خامسًا: الإيمان بأن كل ما يصدر عن الله - عز وجل - من بسط وقبض،
فله الحكمة البالغة
فيه.
ولا يعني بسطه سبحانه
على أحد من خلقه في شيء من الدنيا رضاه عن المبسوط له،
كما لا يعني أيضًا
قبضه سبحانه عن أحد من خلقه في شيء من الدنيا سخطه عليه ومقته له،
كلاً، بل قد يدل ذلك
على العكس؛
▫إذ إن الله - عز وجل - يضيق على بعض أوليائه رحمة بهم ولطفًا، ويوسع
ويبسط على أعدائه إملاء لهم واستدراجًا
كما في قوله سبحانه:
{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ
عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا } [الفجر: 15، 17].
وقوله سبحانه: {
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ
لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) } [المؤمنون: 55].
ومن ذلك ما ينعمه
سبحانه على الكفار والعصاة من هذه الدنيا إملاء واستدراجًا
قال سبحانه: {
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
} [الأنعام: 44]،
والعكس من ذلك ما
يصيب الله به أنبياءه وأولياءه من قبض وتضييق وبلاء فهو محنة عاجلة موصلة إلى جوده
ورحمته وفضله المتصل لهم في العاجل والآجل.
▪سادسًا: الحذر من استعمال ما بسط الله - عز وجل - من الرزق وغيره في
معاصيه،
بل الواجب شكر الله -
عز وجل - على ذلك بالقلب واللسان والأعمال،
وذلك بالسعي في صرف
هذا البسط في ما يرضي الله - عز وجل -، والسعي إلى التوسعة على عباد الله - عز وجل
- والإحسان إليهم كما تفضل الله - عز وجل - وأحسن.
يقول القرطبي رحمه
الله تعالى:
"فإن كنت مبسوط القلب بالمعارف والحقيقة والعلوم الدينية فابسط بساطَك،
وابسطْ وجْهك، واجلسْ للناس حتى يَقتبسوا من ذلك النِّبْراس.
وإنْ كنت ذا بسطة في
الجسم، فابْسطه في العبادة التي تُفْضي بك إلى السعادة، وفي الصَّولِة على
الأعداء، بما خُوِّلتَ من المُنَّة والشِّدة.
وإنْ كنت ذا بَسطٍ في
المال، فابسطْ يدكَ بالعَطَاء، وأزلْ ما على مالك من الغِطَاء، ولا تُوكي فيوكي
الله عليك، ولا تُحْصي فيحصي الله عليك.
وإنْ كنت لم تَنَلْ
حظًا من هذه البَسَطاتِ فابسط قلبكَ لأحكام ربِّك، ولسانَك لذِكره وشكره، ويدك
لبذل الواجبات عليك، ووجهك للَخْلق،
كما قال صلى الله
عليه وسلم في بَذل المعروف: (فإن لم تَجِدْ فالْقَ أخاكَ بوجه طَلْقٍ) ويروى
(طليق).
وفي حال القبض يوقن
العبد - كما سبق بيانه - أن هذا القبض والتضييق فيه الحكمة والرحمة للعبد المؤمن،
وإن لم يظهر له ذلك
فيطمئن ويرضى،
وفي نفس الوقت يسعى
لدفع هذا التضييق بالأسباب الشرعية وأعظمها اللجوء إلى الله - عز وجل - القابض
الباسط،
أما الأسباب الأخرى
فيأخذ بها مع عدم التعلق بها؛
وإنما التعلق بالله
وحده إذ هو مسبب الأسباب وهو القابض الباسط على الحقيقة حيث لا باسط لما قبض ولا
قابض لما بسط،
وكما قال سبحانه: {
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا
يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) }
[فاطر:2].
ولله الأسماء الحسنى
- عبد العزيز الجليل
حظّ المؤمن من هذين
الاسمين [ القابض الباسط]
1-أن يفهم فقه القبض والبسط:
القاعدة تقول: بسطك
كي لا تكون مع القبض وقبضك كي لا تكون مع البسط وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيئ
دونه،
↙المعنى: أعطاك كي لا تيأس ولا تحزن وحتى لا تستحوذ عليك ظلال المنع
فتشعر أن الأبواب مغلقة
هذا يحمل كل معاني
الرجاء وحُسن الظّنّ..وإن مع العسر يسرا..
وهكذا تتعاقب الأمور.
وهنا نفهم المعنى
الذي يخفى علينا كثيراً في أوقات نشتكي فيه أننا لا نجد قلوبنا
حين يسير الواحد منا
في الطريق إلى الله وقدلا يجد الأثر في وقت ما،ونجد الغالب ان هناك قسوة وقبض ..
فهنا يجب على العبد
أن يفقه معالم الطريق إلى الله عزّ وجلّ، وأن يفهم كيف يعامله ربّه:
فإذا أعطاك ستُعجب
وإذا منع عنك تماماً ستأيس فلابد من الإثنين، سبحانه الحكيم الخبيرعزّوجلّ،
ونحن لا نتعبّد الله
بالأحوال بل نعبّده بالمقام،
أي الصلاة التي تُرضي
الله هي التي تخرج بعده وأنت غاضّاً لبصرك، الصلاة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر
وليست الصلاة التي
تبكي فيها قليلا مثل الناس وهذا الحال وبعد ذلك لا أثر لها،
وأحياناً تقول: لا
أجد نفسي لا في القبض ولا في البسط وهذا هو:
وأخرجك عنهما حتى لا
تكون لشيئ دونه،
فهذا مقام أعلى أن
تكون راضي وترضيه سواء أعطاك أو منع عنك ،
-->
مُتعلّق بالذّات ،
المهم يا رب إن لم
يكن بك عليّ سخطٌ فلا أبالي.. هذا المقام ، لتكون له يُحرّكك كيف يشاء وأنت مُفوّض
الأمر تماماً..
2-الإعتدال:
تتعلم متى تُعطي ومتى
تمنع،وهكذا مع أهل بيتك مثلاً فهناك أوقات تبسط وتوسع عليهم وأوقات تقبض قليلاً،
والمطلوب الإعتدال
بينهما، ويُعطي كل ذي حق حقه،
3- فقه التعامل مع النفس بالقبض والبسط في العبادات:
كيف تعاملها بالخوف
والرجاء ، بالترغيب والترهيب،
فبعض الناس قد يتعبد
الله بالحرمان ويظن أنه كلما حرم نفسه كان لله أطوع،
وخير الهدي هدي
النّبيّ صلّ الله عليه وسلّم، كان يصوم حتى لا يكاد يُفطر ويُفطر حتى لا يكاد يصوم
،
وهذا أعظم في
العبودية لأنه فقه القبض والبسط..
فقه التعامل مع
النفس، وليس عبودية الهوى،
ومن كلام الإمام ابن
القيّم رحمه الله عن منزلة البسط والتخلّي عن القبض –في كتاب المدارج-:
"..و الإنبساط مع الحقّ سبحانه: أن لايحبسك خوف ولا يحجبك رجاء ولا يحول
بينك وبينه آدم ولا حوّاء، فالمعنى أنك تراه أقرب إليك من أمّك وأبيك وأرحم عليك
منهما..
فالمُحب الصادق لابد
أن يقارنه أحياناً فرح بمحبوبه –هذه هو الإنبساط ،السرور بالله- ويشتد فرحه به
ويرى مواقع لُطفه به وبرّه به وإحسانه إليه وحُسن دفاعه عنه والتّلطّف في إيصال
المنافع له والمسّار ..بكل طريق ودفع المضار والمكاره عنه بكل طريق وكلما فتّش عن
ذلك اطّلع منه على أمور عجيبة..
نختم بماكان عليه
النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن مُنبسط ولا متدلل ولا قابضاً طوال الوقت بل كان
أشد الناس لله خشية وتعظيما وإجلالاً في كمال عبوديته وفي نفس الوقت كان أعظم
الناس حبّاً ورجاء فيه سبحانه وتعالى، -
فبينهما ندندن بين
السرور والفرح والرجاء وفي نفس الوقت يكون منه على وجل لأن الله يقبض ويبسط.
شرح الأسماء الحسنى-
هاني حلمي
تعظيم اسمي الله
[المقدم]، [المؤخر]
ذكر هذين الاسمين
معًا فيه أدب وزيادة حسن، لأن الكمال في اقترانهما كما قيل ذلك في (القابض
والباسط)،
ولم يرد ذكر هذين
الاسمين الكريمين في القرآن الكريم
▫ وإنما وردا في حديث صحيح؛
في دعائه في استفتاحه لصلاة التهجد
( اللَّهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك
حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخَّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر
لا إله إلا أنت - أو- لا إله غيرك).
حديث علي بن أبي طالب
- رضي الله عنه - في وصفه لصلاة النبي
ما يقول بين التشهد
والتسليم: (اللَّهم اغفرلي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما
أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)"
المعنى في حق الله
تعالى:
وقال النووي رحمه
الله تعالى: "يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه، ويؤخر من يشاء عن ذلك
لخذلانه".
قال الشيخ السعدي
رحمه الله:
"المقدم والمؤخر من أسمائه الحسنى المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق
واحد بمفرده على الله إلا مقرونًا بالآخر،
فإن الكمال من
اجتماعهما فهو تعالى المقدم لمن شاء، والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون
كونيًا
↙كتقديم بعض المخلوقات على بعض، وتأخير بعضها على بعض،
↙وكتقديم
الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها
وأنواع التقديم
والتأخير في الخلق، والتقدير بحر لا ساحل له.
يكون شرعيًا
↙كما فضل الأنبياء على الخلق، وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على
بعض
وكل هذا تبع لحكمته.
وهذان الوصفان وما
أشبههما
من الصفات الذاتية
لكونهما قائمين بالله، والله متصف بهما،
ومن صفات الأفعال لأن
التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها،
وأفعالها،
ومعانيها، وأوصافها،
وهي ناشئة عن إرادة
الله وقدرته"
ولله اﻷسماء الحسنى -
عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان
باسميه سبحانه (المقدم، المؤخر)
هذين الاسمين
الكريمين هما من أسماء الله الحسنى المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده
على الله - عز وجل -
إلا مقرونًا بالآخر؛
لأن الكمال في اجتماعهما، ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين ما يلي:
أولاً: ااﻹيمان بأنه
سبحانه (المقدم والمؤخر) يثمر في قلب المؤمن
التعلق بالله وحده،
والتوكل عليه سبحانه؛ لأنه سبحانه لامقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم
فمهما حاول البشر من
تقديم شيء لم يرد الله - عز وجل - تقديمه، أو تأخير أمر لم يرد الله تعالى تأخيره
↔فلن يستطيعوا.
وهذا يخلص القلب من
الخوف من المخلوق أو رجائه؛
لأنه لا يملك تقديم
شيء أو تأخيره إلا بإذن الله تعالى وحده.
ثانيًا: إن التقدم
الحقيقي النافع هو التقدم إلى طاعة الله - عز وجل - وجنته ومرضاته،
والتأخر عن ذلك هو
التأخر الحقيقي المذموم،
أما التقدم في الدنيا
والتأخر عنها فليس بمقياس للتقدم والتأخر،
ولذا ينبغى للمسلم أن
يتوسل إلى ربه سبحانه بهذين الاسمين الكريمين لنيل التقَّدم الحقيقي عنده سبحانه،
وترك كل ما يؤخر عن جنته ومرضاته.
ثالثًا: الإيمان
بحكمته سبحانه البالغة في تقديم ما قدم وتأخير ما أخَّر،
وأن أي أمر قدَّم أو
أخَّر ↔فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته وحكمته البالغة،
رابعًا: تقديم من
قدَّمه الله - عز وجل - وتأخير من أخَّره سبحانه،
وذلك بأن يكون
ميزان التقديم
والتأخير،
والحب والبغض،
والولاء والبراء ↔هو
ميزان الله - عز وجل - في ذلك كله،
لا كما يزن به أكثر
الناس اليوم، حيث يقدِّمون أهل الجاه والمال والرئاسات وغيرها من أعراض الدنيا على
غيرهم من أهل الدين والتقوى
وهذا يخالف ميزان
الله - عز وجل - في التقديم والتأخير
قال الله - عز وجل -:
{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا
يَحْكُمُونَ (21) } [الجاثية:21]
ولله اﻷسماء الحسنى -
عبد العزيز الجليل
تعظيم اسم الله
[الرفيق]
لم يرد هذا الاسم
الكريم في القرآن الكريم،
وإنما ورد في
السُّنَّة النبوية
عن عائشة - رضي الله
عنها - قالت: "استأذن رهط من اليهود على النبي
فقالوا: السام عليك،
فقلت: بل عليكم السام واللعنة،
فقال: (يا عائشة إن
الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)،
قلت: أو لم تسمع ما
قالوا؟ قال: (قلت وعليكم) "
، وقد ورد لهذا الحديث عدة
روايات أيضًا منها قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله رفيق يحب أهل الرفق وإن
الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)
المعنى في حق الله
تعالى:
وقال الشيخ السعدي
رحمه الله تعالى:
"ومن أسمائه (الرفيق) في أفعاله وشرعه،
وهذا قد أخذ من قوله
صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله رفيق يحب أهل الرفق وإن الله يعطي
على الرفق ما لا يعطي على العنف).
▫فالله تعالى رفيق في أفعاله، خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئًا
فشيئًا بحسب حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة".
وقال أيضًا:
"ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئًا بعد شيء شاهد من ذلك
العجب العجيب،
فالمتأني الذي يأتي
الأمور برفق وسكينة ووقار، اتباعًا لسنن الله في الكون واتباعًا لنبيه
فإن كان هذا هديه
وطريقه تتيسر له الأمور، وبالأخص الذي يحتاج إلى أمر الناس ونهيهم وإرشادهم،
ومن تأمل في خلقه
وأمره وجد ما احتوى عليه شرعه من الرفق وشرع الأحكام شيئًا بعد شيء،
والرفق من العبد لا
ينافي الحزم، فيكون رفيقًا في أموره متأنيًا،
▫ ومع ذلك لا يفوت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت"
ولله اﻷسماء الحسنى -
عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان باسمه
سبحانه (الرفيق):
أولاً: محبته سبحانه
وتعظيمه وإجلاله وحمده، حيث ظهرت آثار لطفه ورفقه بعباده
في خلقه وشرعه وقدرته
ورأفته ورحمته، مع غناه سبحانه عن خلقه.
ثانيًا: شكره سبحانه
وحمده والثناء عليه على هدايته إلى هذا الدين الكامل الحكيم الميسر الذي كله لطف
ورفق ومصلحة للعباد.
ومن آثار رفقه سبحانه
بعباده ما شرع لهم من الرخص الشرعية التي ترفع عنهم الحرج.
والعبد إذا ترفه
بالرخص الشرعية، فإنما يتعبد لله تعالى باسمه سبحانه (الرفيق
كما وضح ذلك الإمام
ابن القيم - رحمه الله تعالى - بقوله: "فرق بين أن يكون التفاته إليها ترفهًا
وراحة وأن يكون متابعة وموافقة،
ومع هذا فالالتفات
إليها ترفهًا وراحة لا يُنافي الصدق، فإن هذا هو المقصود منها،
ثالثًا: التخلق بصفة
الرفق والتأني في الأمور مع النفس ومع الخلق بل حتى مع العدو
▫وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على أشج عبد القيس بقوله:
(إن فيك
لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة).
وأولى الناس بالحلم
والرفق واللين: الأهل وذوو الأرحام، قال صلى الله عليه وسلم : (إذا أراد الله بأهل
بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق).
والرفق لا يعني
التفريط والكسل وتفويت فرص الخير، بل الرفق الممدوح وسط بين العجلة والطيش،
والعجلة طلب أخذ
الشيء قبل وقته؛
↙فهو لشدة حرصه عليه بمنزلة من يأخد الثمرة قبل أوان إدراكها،
▫ فالمبادرة وسط بين خُلقين مذمومين أحدهما: التفريط والإضاعة،
والثاني: الاستعجال
قبل الوقت. ولهذا كانت العجلة من الشيطان؛
▫فإنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب
له وضع الأشياء في غير مواضعها،
وتجلب عليه أنواعًا
من الشرور وتمنعه من الخير، وهي قرين الندامة؛
فقلَّ من استعجل إلا
ندم، كما أن الكسل قرين الفوت والإضاعة".
تعظيم اسم الله
[المنان]
لم يرد اسمه سبحانه
(المنان) في القرآن الكريم إلا بصيغة الفعل
في قوله تعالى: {
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ } الآية [آل عمران]
ولكن جاء في
السُّنَّة التصريح بهذا الاسم الكريم
عن أنس - رضي الله
عنه - أنه كان جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورجل يصلي ثم دعا:
اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ياذا
الجلال والإكرام ياحي ياقيوم،
فقال النبي صلى الله
عليه وسلم :
(لقد دعا
الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى).
معنى الاسم في حق
الله تعالى:
قال الزجاجي رحمه
الله تعالى:
"
(المنان) فعال من قولك: مننت على فلان إذا اصطنعت عنده صنيعة وأحسنت
إليه،
▫ فالله - عز وجل - منان على عباده بإحسانه وإنعامه ورزقه إياهم، وفلان
يمنُّ على فلان: إذا كان يعطيه ويحسن إليه".
قال الخطابي رحمه
الله: "وأما (المنان) فهو كثير العطاء".
يقول القرطبي - رحمه
الله تعالى - : "ولما كان البارئ سبحانه يدر العطاء على عباده منَّا عليهم
بذلك وتفضلاً، كانت له المنة في ذلك.
يقول ابن تيمية رحمه
الله تعالى: " (والمنان) الذي يجود بالنوال قبل السؤال".
للإمام ابن القيم -
رحمه الله تعالى - كلام نفيس في تفسير منة الله - عز وجل - على عباده؛
وذلك عند قوله تعالى
في سورة التين { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) } [التين: 6]،
حيث يقول:
"وقوله: { غَيْرُ مَمْنُونٍ } [التين: 6]، أي: غير مقطوع ولا منقوص، ولا مكدر
عليهم وهذا هو الصواب،
ولله اﻷسماء الحسنى -
عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان
باسمه سبحانه (المنان)
أولاً: محبة الله -
عز وجل - وحمده والثناء عليه على مننه العظيمة التي لا تعد ولا تحصى
↙ وأعظمها منة الهداية للإيمان
قال سبحانه: {
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ
بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (17) } [الحجرات: 17]،
وهذا يقتضي شكره
سبحانه بالقلب واللسان والجوارح، وإعمال هذه الأركان الثلاثة في طاعته والتقرب
إليه وإمساكها عن كل ما يغضبه سبحانه وينهى عنه.
ثانيًا: الشعور
بالتطامن وهضم النفس والاعتراف بضعفها ونقصها وأن العبد الضعيف
لو وكل إلى نفسه طرفة
عين لهلك وخاب وخسر ولكنه توفيق الله - عز وجل - للعبد ومنته عليه هو الذي أقامه
وحفظه ويسر له أموره.
ثالثًا: والثمرة
السابقة تقود إلى ثمرة أخرى ألا وهي عدم التعلق بالأسباب والركون إليها،
▫ وأنها لولا منة الله - عز وجل - وإذنه بنفعها وأثرها لم تجد على
فاعلها شيئًا، فالمان بكل خير هو الله وحده مسبب الأسباب،
والقاهر لكل شيء،
والفعال لما يريد لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع سبحانه وبحمده. فوجب التوكل
عليه وحده وتفويض الأمور إليه.
يقول الإمام ابن
القيم رحمه الله تعالى: "إذا وصل إلى القلب نورُ صفة المِنَّة؛ وشهد معنى
اسمه (المنَّان)؛
وتجلَّى سبحانه على
قلب عبده بهذا الاسم مع اسمه (الأول):
ذهِلَ القلبُ والنفسُ
به؛
وصار العبد فقيرًا
إلى مولاه بمطالعة سبق فضله الأوَّل، فصار مقطوعًا عن شهود أمرٍ أو حالٍ ينسبه إلى
نفسه".
البعد عن صفة المنة
على الخلق؛ لأن الله سبحانه هو المان الحقيقي على عباده،
وقد نهى الله - عز
وجل - ورسوله صلى الله عليه وسلم
↙ عن المن بالعطية ورؤية النفس وإيذاء الفقراء بالمن عليهم ،
قال الله - عز وجل-:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذَى } [البقرة: 264]،
وقال الرسول صلى الله
عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم
عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئًا إلا مِنَّةً، والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب).
وحذر الله على عباده
المنَّ بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه،
لأنَّ منَّ العباد
تكديرٌ وتَعيير،
ومَنَّ الله سبحانه
وتعالى إفضال وتذكير.
فإنه هو المنعم في
نفس الأمر والعباد وسائط؛ فهو المنعم على عبده في الحقيقة
فالامتنان استعباد
وكسر وإذلال لمن يمن عليه ولا تصلح العبودية والذل إلا لله.
فالمنة أن يشهد
المعطي أنه هو ربُّ الفضل والإنعام؛ وأنه ولي النعمة ومُسديها، وليس ذلك في
الحقيقة إلا الله.
ولله اﻷسماء الحسنى -
عبد العزيز الجليل
تعظيم اسم الله
[الجواد]
لم يرد ذكر هذا الاسم
الكريم في القرآن الكريم وإنما جاء ذلك في السُّنَّة
عن ابن عباس - رضي
الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى جواد يحب
الجود ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها).
وروى الترمذي عن أبي
ذر الحديث القدسي الطويل والذي مطلعه: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي...)
وزاد الترمذي فيه:
(ذلك بأني جودا ماجد أفعل ما أريد...) الحديث.
المعنى في حق الله
تعالى:
قال ابن القيم - رحمه
الله تعالى
وبيَّن أنَّ الله
تعالى هو الجواد لذاته بقوله: "إنه يُحِبُّ الإحسان والجود والعطاء والبِرَّ،
وإن الفضل كلَّه بيده؛ والخير كلَّه منه؛
▫والجود كلَّه له. وأحبُّ ما إليه: أن يجود على عباده ويُوسِعهم فضلاً،
ويغمرهم إحسانًا وجودًا، ويتم عليهم نعمته،
▫ ويضاعف لديهم منته، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبب إليهم بنعمه
وآلائه، فهو الجواد لذاته،
▫وجود كل جواد خلقه الله، ويخلقه أبدًا أقل من ذرة بالقياس إلى جوده.
فليس الجواد على الإطلاق إلا هو،
▫ وجود كل جواد فَمِنْ جوده. ومحبته للجود والإعطاء والإحسان، والبر
والإنعام والإفضال فوق ما يخطر ببال الخلق، أو يدور في أوهامهم.
▫وهو الجواد لذاته، كما أنه الحي لذاته، العليم لذاته، السميع البصير
لذاته.
▫فجوده
العالي من لوازم ذاته، والعفو أحب إليه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة،
والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.
وقال الشيخ السعدي
رحمه الله تعالى:
"الجواد: يعني أنه تعالى الجواد المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات،
وملأها من فضله، وكرمه، ونعمه المتنوعة،
وخص بجوده السائلين
بلسان المقال أو لسان الحال من بر، وفاجر، ومسلم، وكافر، فمن سأل الله أعطاه
سؤاله،
وأناله ما طلب، فإنه
البر الرحيم:
{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ
الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) } [النحل: 53].
ومن جوده الواسع ما
أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر".
ولله اﻷسماء الحسنى -
عبد العزيز الجليل
اثر اﻹيمان باسم الله
( الجواد )
ذكر ابن القيم رحمه
الله في مدارج السالكين عشرة مراتب للجود،
جود بالنفس: أن تكون
دوما نفسك رخيصة عليك تبذلها بذلا لله . قالوا: أقصى غاية الجود نفسك.
جود بالرئاسة: كما
صنع الحسن بن علي رضي الله عنه حين جاد بالرياسة وأعطاها للأمويين.
جود بالراحة: أي يبذل
راحته ورفاهيته وإجمام نفسه في مصلحة غيره، كأن يجود بنومه له فيقف له قائما، أو
يمشي مع أخ له في حاجة وقت راحة له..وهكذا.
جود بالعلم: وهذا
لأهل العلم وطلبته. لأن العلم أشرف من المال.
فإذا كان هذا يجود
بالمال فعلى طالب العلم أن يجود بعلمه.
والناس في هذا الجود
على مراتب متفاوتة وقد اقتضت حكمة الله أن لا ينتفع بالعلم به بخيلا أبدا. فجد
بعلمك وابذله لمن يسألك عنه واطرحه عليه.
جود بالجاه: إن كنت
من أهل الوجاهات فأبذل جاهك شافعا أو ماشيا مع رجل إلى ذي سلطان حتى تدفع عنه مضره أو تقضي له
حاجة ملحة .
الجود بنفع البدن:
وهذا ينطبق عليه حديث النبي صلَّ الله عليه وسلم: <يصبح على كل سلامي من أحدكم
صدقة . فكل تسبيحة صدقة . وكل تحميدة صدقة . وكل تهليلة صدقة . وكل تكبيرة صدقة .
وأمر بالمعروف صدقة . ونهي عن المنكر صدقة . ويجزئ ، من ذلك ، ركعتان يركعهما من
الضحى > (صحيح مسلم)
جود بالعرض: وهذا كما
يؤثر عن أبى ضمضم من الصحابة
أنه كان يقول:
"اللهم إنى لا مال لي أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو
قذفني فهو في حل". فكان يتصدق بعرضه.
وهذا الجود يحمل على
سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من المعاداة.
الجود بالصبر والاحتمال
والإغضاء: وهذه مرتبه شريفة أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له .
الجود بالخص والبِشر
والبسط: أن تستقبل الناس بالتبسم والبشر حتى وإن كانوا لا يستحقونه منك.
الجود بترك ما في
أيدي الناس: فلا يلتفت إليه ولا يستشرف لهم. فهو يجود بترك الدنيا لأهل الدنيا ولا
يتمنى ما عندهم.
الكلم الطيب