إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن
يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا
عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فإن محبة الله من أعظم مقامات العبادة عليها تدور رحى الطاعة
والسير إلى الله لأنها تسوق المؤمن إلى القرب وترغبه في الإقبال على الله وتجشم
المشقة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته. قال تعالى في وصف المؤمنين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ).
وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان اللّه ورسوله أحب إليه
مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحبه إلا للّه ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه
اللّه كما يكره أن يلقى في النار). فمحبة الله يذوق بها العبد حلاوة الإيمان. و ان حبُّ الله تعالى وإن كان فطريًّا؛ فهو يزداد بمعرفة الله
تعالى، والتعرُّف إليه سبحانه بأسمائه وصفاته العلا، والنظر والتفكُّر في مخلوقاته
الدالَّة على كماله وجلاله وعظمته، ومُطالعة نِعَمه سبحانه على عِبادِه . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "ومحبة الله تنشأ تارة من
معرفته ، وكمال معرفته تحصل من معرفة أسمائه وصفاته، وأفعاله الباهرة، والتفكير في
مصنوعاته ، وما فيها من الإتقان والحِكَم والعجائب؛ فإنَّ ذلك كلَّه يدلُّ على
كماله وقدرته وحكمته وعِلمه ورحمته، وتارة تنشأ من مُطالعة النِّعَم"و لمعرفة
أسماء الله تعالى أهمية كبيرة لأجل ما يلي:
۱- أن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق
، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى
بأسمائه وصفاته وأفعاله ، فالاشتغال بفهم هذا العلم ، والبحث التام عنه ، اشتغال
بأعلى المطالب ، وحصوله للعبد من أشرف المواهب ، ولذلك بينه الرسول صلى الله عليه
وسلم غاية البيان ، ولاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه لم يختلف فيه
الصحابة رضي الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام.
۲- أن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته ، وخوفه ورجائه ، وإخلاص
العمل له ، وهذا هو عين سعادة العبد ، ولا سبيل إلى معرفة الله ، إلا بمعرفة
أسمائه الحسنى ، والتفقه في فهم معانيها.
۳- أن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى ، مما يزيد
الإيمان ، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : ( إن الإيمان بأسماء الله
الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ،
وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوحه " الروح : هو
الفرح ، والاستراحة من غم القلب " ، وأصله وغايته ، فكلما زاد العبد معرفة
بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه ) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان
للسعدي ص 41
۴- أن الله خلق الخلق
ليعرفوه ويعبدوه ، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم ، لأنه كما يقول ابن القيم رحمه
الله : ( مفتاح دعوة الرسل ، وزبدة رسالتهم ، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته
وأفعاله ؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها ) .
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم ( 1/150-151 ) فالاشتغال بمعرفة
الله ، اشتغال بما خلق له العبد ، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له ، وليس معنى
الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله ، لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد
ربه الذي يؤمن به ، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته ، وبحسب معرفته بربه
يزداد إيمانه
۵- أن العلم بأسماء الله
الحسنى أصل للعلم بكل معلوم ، كما يقول ابن القيم رحمه الله: ( إن العلم بأسماء الله
الحسنى أصل للعلم بكل معلوم ، فإن هذه المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى
أو أمراً ، إما علم بما كوَّنه ، أو علم بما شرعه ، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه
الحسنى ، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه .. وإحصاء الأسماء الحسنى ، أصل
لإحصاء كل معلوم ، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها ... )