آثار رحمة الله


بعض آثار رحمة الله تعالى

أ/ آثار رحمة الله في خلقه :ـ

أولاً: تظهر آثار رحمة الله - عز وجل - في كل ما خلق الله
سواء في هذا الكون العريض وما فيه من المخلوقات العظيمة المسخرة بأمره سبحانه وما فيها من المنافع والرحمة لعباده،

أو ما في خلق الإنسان من الآيات الدالة على عظمته سبحانه ورحمته - عز وجل - بهذا الإنسان،

حيث خلقه في أحسن تقويم وأقام جسمه وروحه، وأعطاه العقل وقواه، وأمده وأعده ورزقه وأنعم عليه بنعمه الظاهرة والباطنة.

ولو ذهبنا نستعرض آثار رحمة الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس لفنيت الأعمار ولم تنته من حصرها وعدها مع أنها جزء من مائة جزء من رحمته.

قال الله تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) } [الجاثية: 13].

وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهادًا وفراشًا وقرارًا وكفاتًا للأحياء والأموات،

وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى،

ومن رحمته سخر لنا الخيل والإبل والأنعام وذللها منقادة للركوب والحمل والأكل...

ومن رحمته أن خلق للذكر من الحيوان أنثى من جنسه وألقى بينهما المحبة والرحمة، ليقع بينهما التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع الزوجين، ويمتع كل واحد منهما بصاحبه.

 ومن رحمته أحوج الخلق بعضهم إلى بعض لتتم مصالحهم، ولو أغنى بعضهم عن بعض لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم،

وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والمراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه ثم عم الجميع برحمته"

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

تابع آثار رحمة الله في خلقه

ثانيا: ومن آثار رحمته سبحانه ما يضعه في قلوب الأمهات من رحمة نحو أولادهن سواء كان ذلك عند الإنسان أو الحيوان من وحش وطير وهوام.

 وأن رحمة الله - سبحانه وتعالى - أعظم وأوسع من رحمة الأمهات بأولادهن.

فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال:
"قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي
فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته.

 فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتَرونَ هذه المرأة طارحةً ولَدها في النار؟)

 قلنا: لا والله! وهي تقدر على أن لا تَطْرَحَه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لله أرحَمُ بعبادِهِ من هذه بولدها) "(البخاري ومسلم).

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

"وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان،

فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته، واشتق لنفسه منها اسم (الرحمن الرحيم)

ولله اﻷسماء الحسنى - عبدالعزيز الجليل

ب/ من آثار رحمة الله في شرعه

أولا:ـ إرسال الرسل وإنزال الكتب من رحمة الله

يقول ابن القيم :ـ

ومن رحمته أن أنزل لهم كتبا، وأرسل لهم الرّسل لكنّ النّاس افترقوا إلى فريقين؛

فأمّا المؤمنون:فقد اتّصل الهدى في حقّهم بالرّحمة فصار القرآن لهم هدى ورحمة.

وأمّا الكافرون: فلم يتّصل الهدى بالرّحمة فصار لهم القرآن هدى بلا رحمة.

وهذه الرّحمة المقارنة للهدى في حقّ المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة،

فأمّا العاجلة فما يعطيهم الله في الدّنيا من محبّة الخير والبرّ وذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته، والفرح والسّرور والأمن والعافية.

قال تعالى:{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس/ 58)

فأمرهم- عزّ وجلّ- بأن يفرحوا بفضله ورحمته،

فهم يتقلّبون في نور هداه ويمشون به في النّاس ويرون غيرهم متحيّرا في الظّلمات،

فهم أشدّ الناس فرحا بما آتاهم ربّهم من الهدى والرّحمة.

وغيرهم جمع الهمّ والغمّ والبلاء والألم والقلق والاضطراب مع الضّلال والحيرة.

وهذه الرّحمة الّتي تحصل للمهتدين تكون بحسب هداهم،

فكلّما كان نصيب الواحد من الهدى أتمّ كان حظّه من الرّحمة أوفر،
فتجد الصّحابة كانوا أرحم الأمّة كما قال تعالى:{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ }(الفتح/ 29) .

والصّدّيق أرحم الأمّة بالأمّة، فقد جمع الله له بين سعة العلم وسعة الرّحمة.
وهكذا الرّجل كلّما اتّسع علمه اتّسعت رحمته.

وقد وسع ربّنا كلّ شيء رحمة وعلما فوسعت رحمته كلّ شيء، وأحاط بكلّ شيء علما،
فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل هو أرحم بالعبد من نفسه، كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسهإغاثة اللهفان

نضرة النعيم - صفة الرحمة

تابع من آثار رحمة الله في شرعه

ثانيا:ـ وتتجلى رحمة الله - عز وجل - في شرعه المطهر وأحكامه التي كلها خير ورحمة للخلق:-

1. سواء ما يتعلق بهدايتهم وحفظ أديانهم،

2. أو ما يتعلق بحفظ نفوسهم وأبدانهم،

3. أو ما يتعلق بحفظ عقولهم وأفكارهم،

4. أو ما يتعلق بحفظ أعراضهم وأنسابهم وأولادهم،

5. أو ما يتعلق بحفظ أموالهم وممتلكاتهم.

فكل ما يتعلق بهذه الضروريات الخمس من أحكام إنما جاءت رحمة بالناس بالمحافظة عليها وحمايتها من الفساد والعدوان

حتى يعيش الناس في أمن وسعادة قد رفع عنهم الحرج والعنت وحفظ لكل ذي حق حقه.

كما تظهر رحمة الله - عز وجل - في يسر الشريعة، ورفع الحرج عن العباد فيها، وشرع الرخص التي ترفع المشقة عنهم.

ولله اﻷسماء الحسنى - عبدالعزيز الجليل

تابع من آثار رحمة الله في شرعه

ثالثا:ـ ومن رحمته سبحانه مغفرته لذنوب عباده والصفح عنهم، وتكفير سيئاتهم، وفتح باب التوبة لهم.

قال الله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } [الزمر: 53].

وتتجلى رحمة الله - عز وجل - بعباده التائبين في أجلى صورها

فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بفرح الله - عز وجل - بتوبة عبده وقبوله لتوبة التائبين.

قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ويعلم ما تفعلون }[الشورى: 25].

وقال سبحانه: { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) } [الأنعام: 54].

رابعا:ـ وتتجلى رحمة الله - عز وجل - في رحمته الخاصة بأوليائه،
وتوفيقهم، وتسديدهم،
وحفظهم، وتيسير أمورهم، وإجابة دعائهم،
ونصرهم على أعدائهم الكافرين، وتمكينه لهم في الأرض،
وإعانتهم وإغاثتهم في قضاء حوائجهم كما في جلب الرزق والمطر وكشف الكروب،
وخرق السنن الكونية لهم، وإظهار الكرامات على أيديهم.

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

تابع من آثار رحمة الله في شرعه

خامسا:ـ الجنة من رحمة الله:-

برحمته تبارك وتعالى خلق الجنة، وخلق سكانها، وخلق أعمالهم.

فبرحمته سبحانه خُلقت، وبرحمته عُمرت بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها،
وبرحمته طاب عيشهم فيها.

وسمى الله سبحانه الجنة بالرحمة،
وهي أعظم رحمة خلقها الله لعباده الصالحين

فقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} عمران: 107].

موسوعة فقه القلوب - محمد التويجري



ج/من آثار رحمة الله في قدره

سعة رحمة الله في صور البلاء

كما تتجلى رحمة الله - عز وجل - في المصائب والمكروهات التي يقدرها على عباده المؤمنين
فهي وإن كانت مؤذية ومكروهة إلا أن في أعطافها الرحمة والخير بالمصاب،

لأن الله - عز وجل - كتب على نفسه الرحمة ورحمته سبقت غضبه.

وقد تظهر هذه الرحمة للمصاب عيانًا ويتبين ما في المكروه من الرحمة واللطف
وقد لا يتبين ذلك في الدنيا ولكن يظهر آثار رحمة الله فيها في الآخرة بتكفير السيئات، وغفران الذنوب بفعل هذه المصائب.

قال الله تعالى: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) } [البقرة:216 ].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه)(البخاري ومسلم).

أما ما يصاب به الكفار من المصائب والعقوبات فهي رحمة بالمؤمنين من شر الكفار وتسلطهم، وإفسادهم في الأرض، وهي عدل مع الكفار.

قال ابن القيّم:
ومن رحمته سبحانه: ابتلاء الخلق بالأوامر والنّواهي رحمة لهم وحميّة لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به.

 ومن رحمته: أن نغّص عليهم الدّنيا وكدّرها؛ لئلّا يسكنوا إليها ولا يطمئنّوا إليها ويرغبوا عن النّعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان
فمنعهم ليعطيهم،
وابتلاهم ليعافيهم،
وأماتهم ليحييهم.

ومن رحمته بهم: أن حذّرهم نفسه؛ لئلّا يغترّوا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به.

نضرة النعيم - فصل الرحمة

تابع من آثار رحمة الله في قدره

فقه رحمة الله بين الإرسال والإمساك

قال تعالى (ما يفتح اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )فاطر2 .

ما من نعمة - يمسك الله معها رحمته - حتى تنقلب هي بذاتها نقمة.

 ▫وما من محنة –تحفها رحمة الله - حتى تكون هي بذاتها نعمة ..

ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد .
وينام على الحرير - وقد أمسكت عنه - فإذا هو شوك القتاد.

ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر .

ويعالج أيسر الأمور – وقد تخلت رحمة الله - فإذا هي مشقة وعسر .

ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام .

ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار !

يبسط الله الرزق - مع رحمته - فإذا هو متاع طيب ورخاء ; وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة
ويمسك رحمته , فإذا هو مثار قلق وخوف .

يمنح الله الذرية - مع رحمته - فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ,ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله .

ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء , وسهر بالليل وتعب بالنهار !

ويهب الله الصحة والقوة - مع رحمته - فإذا هي نعمة وحياة طيبة , والتذاذ بالحياة .

ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي , فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح , ويدخر السوء ليوم الحساب!

 ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته - فإذا هي أداة إصلاح , ومصدر أمن ,ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر .

 ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما , ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبه مالا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ,ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار !

والعلم الغزير . والعمر الطويل . والمقام الطيب . كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال . . . مع الإمساك ومع الإرسال . . وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه . وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة .

من آثار رحمة الله - ماجد الصغير - موقع العقيدة والحياة


شاهد "آثار رحمة الله تعالى"