إن العبادة ترتكز على
ثلاث ركائز هي: الحبُّ والخوفُ والرجاء.
فالحب مع الذّل،
والخوف مع الرجاء،
لا بد في العبادة من
اجتماع هذه الأمور،
قال تعالى في وصف
عباده المؤمنين: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] ،
وقال بعض السلف:
من عبد الله بالحب
وحده فهو زنديق،
ومن عبده بالرجاء
وحده فهو مرجئ،
ومن عبده بالخوف وحده
فهو حروري
ومن عبده بالحب
والخوف والرجاء فهو مؤمن مُوحِّد.
ذكر هذا شيخُ الإسلام
في رسالة (العبودية)
وقال أيضًا:
(فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها: الذل.
يقال: طريقٌ
مُعبَّدٌ، إذا كان مُذللًا قد وطئته الأقدام.
لكن العبادة المأمور
بها تتضمن
معنى الذل،
ومعنى الحب،
فهي تتضمن غاية الذل
لله تعالى↔بغاية الحب له،
ومن خضَعَ لإنسان مع
بغضه له لا يكون عابدًا له،
ولو أحبّ شيئًا ولم
يخضع له لم يكن عابدًا له،
كما يُحبُّ الرجل
ولده وصديقه،
ولهذا لا يكفي أحدهما
في عبادة الله تعالى،
بل يجب أن يكون الله
أحب إلى العبد من كل شيء،
وأن يكون الله أعظم
عنده من كل شيء،
بل لا يستحق المحبة
والخضوع التام إلا الله ... ) انتهى.
هذه ركائز العبودية
التي تدور عليها.
عقيدة التوحيد - صالح
الفوزان
الركيزة الأولى من
ركائز العبودية المحبة
المحبة المقصودة هنا
و التي تتحقق بها العبودية
هي محبة العبد لربه
عزوجل ،
التي هي أكمل وأرقى
صور المحبة. وهي عاطفة دينية ومشاعر إيمانية وعبادة قلبية ؛
محبة إجلال وتعظيم،
ومحبة طاعة وانقياد
يبرهن بها العبد على صدق عبوديته لمولاه الحق.
ماالأسباب الباعثة
على تحقيق المحبة
كما أن النفوس مفطورة
على معرفة ربها وخالقها ومعرفة أن له
الكمال المطلق
فهي مفطورة على محبته
،
فما من عبد على وجه
البسيطة يعرف ربه إلا وهو يحبه .
وهذه المحبة الفطرية
العامة ليست هي التي يحقق بها العبد عبوديته
وإنما المعول عليه
المحبة الاختيارية التي تملأ قلب العبد المؤمن بالله
الذي يعتقد كمال ربه
وجلاله
ويثبت له الأسماء
الحسنى والصفات العلا التي أثبتها لنفسه
وأثبتها له نبيه على
الحقيقة من غير تحريف ولاتعطيل ومن غير تكييف ولا تشبيه .
ومحبة الله
الاختيارية قسمان
1⃣فرض : وهي المحبة التي تبعث على امتثال أمره والانتهاء عن معصيته ،
والرضا بما يقدره .
2⃣وندب : وهي التي تبعث على تتبع المحاب والمواظبة على النوافل وتجنب
الوقوع في الشبهات .
وبحسب تحقيق العبد
لهذه المحبة يرتقي في درجات العبودية إلى مراتب المقربين المحسنين السابقين
بالخيرات .
تحقيق
العبودية بمعرفة الأسماء والصفات - د.فوز بنت عبد اللطيف الكردي
دواعي محبة الله
وأسبابها
أولا : داعي الكمال
والجلال.
فالرب له الكمال
المطلق
بل كل ما فطرت القلوب
على محبته من نعوت الكمال
فالله هو المستحق له
على الكمال،
وكل ما في غيره من
محبوب فهو منه
فهو المستحق لأن يحب
على الحقيقة والكمال .
لأن كماله عزوجل من
لوازم ذاته،
وكل من هو غيره
فكماله نسبي
مستمد منه ،
مفتقر إليه ،
وهو من منح الله له .
تحقيق
العبودية بمعرفة الاسماء و الصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف الكردي
تابع دواعي محبة الله
وأسبابها
ثانيا : داعي الجمال
والرب تعالى له
الكمال المطلق من ذلك ،
▪فإنه جميل يحب الجمال ، بل الجمال كله له ، والجمال كله منه ، فلا
يستحق أن يحب لذاته من كل وجه سواه .
ومن جماله أن كل جمال
ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة من آثار صنعته .
قال النبي صلى الله
عليه وسلم واصفا جماله تبارك وتعالى :
"حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
"رواه مسلم .
قال ابن عباس :
"حجب الذات بالصفات ،
وحجب الصفات بالأفعال
،
فما ظنك بجمال حجب
بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال" .💡
فالعبد يدرك جمال
أفعال ربه من التأمل في بديع وجمال صنعه وخلقه؛
قال تعالى : { مَّا
تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ }الملك3
وقال :{ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }النمل88.
وكذا يعرف جمال صفاته
وأسمائه بما يعرفه من يدركه من جمال أفعاله فله سبحانه الأسماء الحسنى :
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى }طه8
ومن جمال صفاته
وأسمائه يستدل على جمال ذاته الذي لا يدركه سواه
▪وليس عند العباد منه إلا تعريفات عنه تعرف بها إليهم من خلال أسمائه
وصفاته فيما أنزله عليهم في كتابه الكريم وفيما أخبرهم به رسوله.
تحقيق العبودية
بمعرفة الاسماء و الصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف
الكردي
لماذا نحب الله الشيخ مشاري الخراز
تابع دواعي محبة الله
وأسبابها
ثالثا : داعي الإحسان
والإنعام
فإن القلوب جبلت على
حب من أحسن إليها
وبغض من أساء إليها
▪ولا أحد أعظم إحسانا من الله سبحانه ؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس
ولحظة .
▪ و هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة فإنه المتفضل بجميع النعم وإن
جرت بواسطة إذ هو ميسر الوسائط ومسبب الأسباب .
فهو وحده واهب الحياة
ومصدر الخلق والأمر
والإيجاد والإمداد ،
قال تعالى : {أَلَمْ
تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً} لقمان20.
▪وداعي الإحسان والإنعام هو أول ما يبعث في القلب حب الله،
ولهذا ذكّر الله
العباد كثيرا بنعمه العظيمة ، وندبهم رسوله إلى تذكرها بقوله :
(أَحبُّوا
اللهَ لما يغذُوكمْ بهِ منْ نعمِهِ) ، الجامع الصغير للسيوطي (صحيح)
فينضم داعي الإحسان
والإنعام إلى داعي الكمال والجمال
ولا يتخلف عن محبة من
هذا شأنه إلا أردى القلوب وأخبثها .
ومن هنا كانت معرفة
الأسماء والصفات هي الباب الذي يضم هذه الدواعي جميعها
▪فـما من وجه من الوجوه التي يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته
إلا وهو يستحق المحبة الكاملة .
ولاشك أن العباد
يتفاوتون في محبتهم له على حسب تفاوت
مراتبهم في معرفته والعلم به .
فأعرفهم بالله أشدهم
له حبا ،
ولهذا كانت رسله أعظم
الناس حبا له . والخليلان من بينهم أعظمهم حبا ،
وأعرف الأمة أشدهم له
حبا .
ولهذا كان المنكرون
لحبه من أجهل الخلق به .
فللمعرفة بالأسماء
والصفات أثرها في تحقيق المحبة التي هي أصل العبودية ،
إذ أنها تظهر ما له
عزوجل الكمال المطلق والجمال المطلق والإنعام الذي لا يحده شيء وﻻ يحصيه أحد.
تحقيق
العبودية بمعرفة الاسماء و الصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف الكردي
من فوائد (المحبة)
دلالة على كمال
الإيمان وحسن الإسلام.
المحبّة تغذّي
الأرواح والقلوب وبها تقرّ العيون، بل إنّها هي الحياة الّتي يعدّ من حرم منها من
جملة الأموات .
قلب صاحبها تغشاه
مباركة الله ونعمه على الدّوام.
تظهر آثار المحبّة
عند الشّدائد والكربات.
من ثمار المحبّة
النّعيم والسّرور في الدّنيا الموصّل إلى نعيم وسرور الآخرة.
في حبّ الله تعالى
حمد المحبوب والرّضى عنه وشكره وخوفه ورجاؤه والتّنعّم بذكره والسّكون إليه والأنس
به والإنفاق في سبيله.
حبّ النّبيّ صلّى
الله عليه وسلّم يوجب السّعي إلى إحياء سنّته.
والحفاظ على دعوته.
محبّة النّاس مع
التّودّد إليهم تحقّق الكمال الإنسانيّ لمن يسعى إليه.
وحبّه صلّى الله عليه
وسلّم يستوجب حبّ من أحبّه وما أحبّه.
محبّة الإخوان في
الله من محبّة الله ورسوله.
التّحابّ في الله
يجعل المتحابّين في الله من الّذين يستظلّون بظلّ الله تعالى يوم لا ظلّ إلّا ظلّه
.
لا يكتمل إيمان المرء
إلّا إذا تحقّق حبّه لأخيه ما يحبّه لنفسه وفي هذا ما يخلّصه من داء الأنانيّة.
أن يستشعر المرء
حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرّضا وينعم بالرّاحة النّفسيّة .
حبّ الله ورسوله
وسيلة أكيدة لاستجلاب نصر الله وعونه .
كتاب
نضرة النعيم
أعمال القلوب للمنجد ـ الحب
الركيزة الثانية من
ركائز العبودية
الخوف
أقسام الخوف
الأول : خوف العبادة
والتذلل والتعظيم والخضوع ،
وهو ما يسمى بخوف
السر؛ وهذا لا يصلح إلا لله - سبحانه - ، فمن أشرك فيه مع الله غيره; فهو مشرك شركا أكبر،
وذلك مثل: من يخاف من
الأصنام أو الأموات، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم;
كما يفعله بعض عباد
القبور يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله.
الثاني: الخوف
الطبيعي والجبلي ; فهذا في الأصل مباح;
لقوله تعالى عن موسى
- عليه السلام - {قَالَ رَبِّ إِنِّي
قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [القصص:33] ،
لكن إن حمل على ترك
واجب أو فعل محرم فهو محرم،
وإن استلزم شيئا
مباحا كان مباحا،
فمثلا من خاف من شيء
لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها;
فهذا الخوف محرم،
والواجب عليه أن لا
يتأثر به.
وإن هدده إنسان على
فعل محرم، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به;
فهذا خوف محرم لأنه
يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر،
وإن رأى نارا ثم هرب
منها ونجا بنفسه;
فهذا خوف مباح،
وقد يكون واجبا إذا
كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه.
القول المفيد على
كتاب التوحيد-ابن عثيمين
منزلة الخوف
منـزلة الخوف من
العبودية عظيمة .
وما ورد في فضيلته
والحث عليه أكثر من أن يحصر في مثل هذا الموضع ،
وإنما نلخص منـزلته
ونجملها في نقطتين مهمتين:
أولا : أن الخوف من الله
هو أحد ركائز العبودية الثلاثة التي لا تتم العبودية ولا تتحقق إلا بها ،
فإن تحققت أثمرت
أنواع من عبادات الظاهر والباطن .
فهو دافع قوي للقيام
بكثير من أنواع العبادة،
وقد أثنى الله على
أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بالخوف والرهبة منه
فقال :{ إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء
ثانيا : الخوف من
الله شرط في الإيمان ولازم من لوازمه
وموجباته ،
قال:{ُ فَلَا
تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آل عمران 175
فـالخوف علامة صحة
الإيمان وترحله من القلب علامة ترحل الإيمان منه.
وهو من عبادات القلوب
التي لا تكون إلا لله ،
وصرفها لغيره شرك
أكبر.
إذ أنه من تمام الاعتراف بملكه وسلطانه ، ونفاذ مشيئته
في خلقه
ولا يتصور أن ينفك
مؤمن عن خوف وإن ضعف ويكون ضعف خوفه بحسب ضعف معرفته وإيمانه.
فالمعرفة سبب رئيس في
وجود الخوف في القلب .
تحقيق
العبودية بمعرفة اﻷسماء والصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف الكردي
الأسباب الباعثة على
تحقيق الخوف من الله عز وجل
أولا : معرفة عظمة
ذاته
وجلالة أوصافه الدالة
على قهره وقدرته
ومطلق إرادته يقضي
بما يشاء ويحكم بما يريد ،
وكلما كان العبد به
أعرف كانت هيبته والخوف منه في قلبه أعظم.
ثانيا : معرفة إحاطة
علمه ورقابته جل جلاله
فلا يغيب عن علمه شيء
من أحوال الظاهر وأحوال الباطن ،
ولا يحول دونه زمان
ولا مكان ،
بل كل ذلك في علم
الله سواء ؛
فهو يعلم ما يفعل
العباد بجوارحهم ،
▪وما ينطقون بألسنتهم ،
▪وما تنطوي عليه دخيلة أنفسهم من نوايا ومشاعر،
يرقبهم بعينه التي لا
تنام ،
ويسمعهم بسمعه الذي
وسع الأصوات ،
لا يلهيه علم عن علم
،
ولا يشغله سمع عن سمع
سبحانه جل شأنه.
تحقيق
العبودية بمعرفة اﻷسماء والصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف الكردي
تابع الأسباب الباعثة
على تحقيق الخوف من الله عزوجل
ثالثا : معرفة عدله
وعذابه وشدة انتقامه من أعدائه
ومن مقتضيات هذه
المعرفة:-
معرفته بالدار الآخرة
وما فيها من البعث
والمحاسبة ،
وما أعد الله فيها من
النعيم ومن النكال .
↔ لأن من عرف ما أعده للمحسنين وما أعده للمجرمين لا ينفك عنه الخوف
مطلقا إلا عندما ينادى بـ
(
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ)
فيدخل الجنة وينعم
بالنظر إلى وجه ربه جل جلاله،
أما قبل ذلك فقد تضعف
نفسه أمام شهواتها ، وقد يقلب الله قلبه على غير الطاعة ،
لذا يخاف حصول
المكروه من عذاب الله وناره ،
أو فوات المحبوب من
لقائه وجنته والنظر إلى وجهه الكريم .
قال ابن القيم :
من استقر في قلبه
ذكر الدار الآخرة
وجزاءها ،
وذكر المعصية والتوعد
عليها
وعدم الوثوق بإتيانه
بالتوبة النصوح
هاج في قلبه من الخوف
مالا يملكه ولا يفارقه حتى ينجو
ولن ينجو إلا إذا
بشّر بالقبول من الرحمن .
تحقيق
العبودية بمعرفة اﻷسماء والصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف الكردي
أعمال القلوب للمنجد ـ الخوف
الركيزة الثالثة من
ركائز العبودية الرجاء
معنى الرجاء
الرجاء في اللغة
بمعنى التوقع والأمل، والطمع فيما يمكن حصوله . ونقيضه اليأس.
وأصله تعلق القلب
بحصول محبوب في المستقبل، لذلك فُسر بأنه :
توقع الخير ممن بيده
الخير .
أو أنه طمع الإنسان
في أمر قريب المنال ، وقد يكون بعيد المنال تنـزيلا له منـزلة القريب.
أما من حيث أنه عبادة
من عبادات القلوب فقد فسر بأثره الظاهر :
فقيل هو الاستبشار
بجود وفضل الرب تبارك وتعالى ، والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه.
والرجاء التعبدي
المقصود هنا الذي هو أحد أركان تحقيق العبودية :
عبادة قلبية تتضمن
ذلا وخضوعا ، أصلها المعرفة بجود الله وكرمه وعفوه وحلمه ،
ولازمها الأخذ بأسباب
الوصول إلى مرضاته ،
فهو حسن ظن مع عمل
وتوبة وندم .
تحقيق
العبودية بمعرفة الاسماء والصفات -فوز بنت عبد اللطيف الكردي
منزلة الرجاء
قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}
[الإسراء: 57]
فَابْتِغَاءُ
الْوَسِيلَةِ إِلَيْهِ: طَلَبُ الْقُرْبِ مِنْهُ بِالْعُبُودِيَّةِ
وَالْمَحَبَّةِ.
فَذَكَرَ مَقَامَاتِ
الْإِيمَانِ الثَّلَاثَةَ الَّتِي عَلَيْهَا بِنَاؤُهُ:
الْحُبَّ،
وَالْخَوْفَ، وَالرَّجَاءَ.
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ -:
«لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ
بِرَبِّهِ»،
أنواع الرجاء
ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
نَوْعَانِ مَحْمُودَانِ، وَنَوْعٌ غَرُورٌ مَذْمُومٌ.
فَالْأَوَّلَانِ
رَجَاءُ رَجُلٍ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ.
فَهُوَ رَاجٍ
لِثَوَابِهِ.
وَرَجُلٌ أَذْنَبَ
ذُنُوبًا ثُمَّ تَابَ مِنْهَا.
فَهُوَ رَاجٍ لِمَغْفِرَةِ
اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ.
وَالثَّالِثُ: رَجُلٌ
مُتَمَادٍ فِي التَّفْرِيطِ وَالْخَطَايَا. يَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ بِلَا
عَمَلٍ.
فَهَذَا هُوَ
الْغُرُورُ وَالتَّمَنِّي وَالرَّجَاءُ الْكَاذِبُ.
مدارج السالكين - ابن
القيم
انواع الرجاء من الله
الأسباب الباعثة على تحقيق الرجاء
إن المعرفة بصفات
المرتجى وأفعاله وأسمائه هي الباعثة على قوة
الرجاء فيه ، والطمع في رحمته وثوابه
لاسيما إذا كانت هناك
معرفة بقصور النفس عن أداء حقه عزوجل ،
ويمكن تفصيل هذا
المعرفة الرئيسة إلى عدد من المعارف التي يبعث استحضارها عبادة الرجاء في قلب
العبد :
أولا:المعرفة بسعة
رحمة الله
فقوة الرجاء على حسب
قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته ، وغلبة رحمته غضبه.
ورحمة الله تامة عامة
:
تامة تقتضي إفاضة
الخير على جميع المحتاجين ، وإرادة النعمة لهم عناية بهم
عامة : تتناول
المستحق وغير المستحق.
قال الرسول مخبرا عن سعة رحمة الله :
"جعل اللهُ الرحمةَ مائةَ جزءٍ . فأمسك عنده تسعةً وتسعين . وأنزل في
الأرضِ جزءًا واحدًا . فمن ذلك الجزءِ تتراحمُ الخلائقُ . حتى ترفعُ الدابةُ
حافرَها عن ولدِها ، خشيةَ أن تصيبَه"
( صحيح مسلم)
فنشره رحمته على
العباد مع كثرة ذنوبهم وعظائم جرمهم ؛
يخلصهم من غمرة الجزع
،
ويفتح لهم أبواب
الرجاء والطمع.
ولو رفع الله رحمته
عنهم لضاقت بهم الحياة ولتمادوا في الباطل .
تحقيق العبودية
بمعرفة الأسماء والصفات - د. فوز بنت عبد اللطيف الكردي
تابع الأسباب الباعثة على تحقيق الرجاء
ثانيا:المعرفة بحلمه
ومغفرته
فهو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من
عباده من الذنوب ،
ولا سيما إذا أتوا
بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار والتوبة والإيمان والأعمال الصالحة ،
فهو سبحانه يقبل
التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
وهو عفو يحب العفو
ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه.
ومن تأمل واسع حلمه
على العباد برغم تماديهم في الغي وجرأتهم عليه، ومبارزتهم له بالعظائم ،
وهو برغم هذا يشملهم
بعظيم مغفرته وكثير عفوه وكرمه ،
ويكلأهم على فرشهم ؛
يرعاهم بعينه التي لا تنام ويرزقهم ويعافيهم .
↔ فإنه يرجوا رحمته وإن عظم ذنبه. ألا ما أحلمه وأعظمه
ثالثا : المعرفة
بقربه وإجابته
فالنفوس جبلت على
الإقبال على القريب منها ،
وسؤال من يجيبها ،
وعلى التزلف لمن
يتلطف معها ويرأف بحالها ،
والله له الكمال في
ذلك كله فهو الذي
يقابل مسألة السائلين
بالإسعاف ودعاء الداعين بالإجابة ،
وضرورة المضطرين
بالكفاية ،
بل ينعم قبل النداء
ويتفضل قبل الدعاء ،
وهو البر بعباده ،
الذي يلطف لهم من حيث لا يعلمون
ويسبب لهم مصالحهم من
حيث لا يحتسبون .
هل الأفضل
للإنسان أن يغلب جانب الخوف، أو يغلب جانب الرجاء؟
اختلف
في ذلك:
فقيل: ينبغي أن يغلب جانب الخوف; ليحمله ذلك على
اجتناب المعصية ثم فعل الطاعة.
وقيل: يغلب جانب الرجاء; ليكون متفائلا
↩والرسول كان يعجبه الفأل
وقيل:-
في فعل الطاعة: يغلب جانب الرجاء
فالذي
من عليه بفعل هذه الطاعة سيمن عليه بالقبول،
↩ولهذا قال بعض السلف: إذا وفقك الله للدعاء; فانتظر
الإجابة، لأن الله يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، غافر٦٠
وفي
فعل المعصية يغلب جانب الخوف
لأجل
أن يمنعه منها ثم إذا خاف من العقوبة تاب.
⤴وهذا أقرب شيء،
ولكن
ليس بذاك القرب الكامل;
لأن
الله يقول:
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} ، [المؤمنون:٦٠] ، أي: يخافون أن لا
يقبل منهم،
لكن
قد يقال بأن هذه الآية يعارضها أحاديث أخرى; كقوله (في الحديث القدسي عن ربه: (أنا
عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني )
وقيل:
في حال
المرض يغلب جانب الرجاء،
وفي
حال الصحة يغلب جانب الخوف.
⤴ فهذه أربعة أقوال.
وقال
الإمام أحمد: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا; فأيهما غلب هلك صاحبه;
أي:
يجعلهما كجناحي الطائر،
والجناحان
للطائر إذا لم يكونا متساويين سقط.
متى يعظم
الرجاء في الله -للشيخ صالح المغامسي