ثمرات الايمان باسم الله الحكيم


من ثمرات الإيمان باسمه سبحانه [الحكيم]


مر بنا سابقًا أن اسمه سبحانه (الحكيم) تظهر آثاره الجلية في:


1- خلقه وصنعه في الآفاق والأنفس.


2- وفي أمره الديني الشرعي.


3- وفي أمره الكوني القدري.


وهذه الآثار العظيمة التي لا تعد ولا تحصى ينبغي

أن تنعكس على إيمان العبد في قلبه وسلوكه وحياته

وأن يتعبد لربه بها،


ومن أهم هذه الثمار العظيمة ما يلي:


أولاً: أن شهود آثار حكمته سبحانه في خلقه وإتقانه لصنعه تثمر في القلب:


أ- محبة عظيمة لله - عز وجل -

وذلك لما يشاهده العبد من الحكمة البالغة والخلق البديع والصنعة المتقنة

التي تكفل للإنسان، الحياة الطيبة السعيدة،

والتي تنشأ من هذه النعم العظيمة في خلق الإنسان وفي هذا النظام البديع الدقيق في خلق هذا الكون الفسيح الذي سخره الله - عز وجل - للإنسان

ليعمره بطاعة الله تعالى وعبادته.


- كما أن هذا الشهود يثمر في القلب تعظيم الله تعالى والخوف منه سبحانه والحياء منه، والتأدب معه،

وذلك بإخلاص العبادة له سبحانه والتماس مرضاته، وتجنب مساخطه. 

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

  

 ثانيًا: وفي شهود آثار حكمته سبحانه في أمره الديني الشرعي وأحكامه الشرعية التي شرعها لمصالح عباده في الدارين


ثمار عظيمة تظهر آثارها في قلب المؤمن وحياته كلها ومن ذلك 

أ- محبة الله - عز وجل - المحبة العظيم،

حيث أنزل هذه الأحكام العظيمة التي تظهر فيها حكمته سبحانه المتمثلة في هذه المصالح الكبرى والخير العظيم


الذي احتوته هذه الشريعة التي تحفظ للإنسان دينه، ونفسه، وعقله، وماله، وعرضه، وتكفل له الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.


ب- شعور الغبطة والسرور بالهداية لهذه الشريعة العظيمة التي هي من لدن الحكيم الخبير، تنزيل من حكيم حميد،


والسعي الحثيث لشكر الله تعالى عليها، والمحافظة عليها، وتجنب أسباب زوالها، والسعي لنشرها بين الناس. 

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

تابع من ثمرات شهود آثار حكمته في أمره الديني الشرعي 

جـ- الإذعان لأحكامه سبحانه الدينية وأوامره الشرعية، والاستسلام التام لها

وألا يكون في القلب منها أدنى ريبة ولا حرج،

قال الله - عز وجل -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]،


وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].


الفرد، والمجتمع، والدولة،


وذلك بأن يكون الحكم والتحاكم إلى شرع الله وحده، ورفض ما سواه.

فمن لم ير َالكفاية في شرع الله تعالى فأعرض عنه أو بدله بغيره ولو في بعضه فإن هذا العمل

مناقض للإيمان باسمه سبحانه (الحكيم)

فضلاً عن أنه شرك في الطاعة والاتباع،

بل شرك في توحيد الربوبية والذي من خصائصها السيادة، والحكم، والتشريع،

وكلها حق لله تعالى لا يجوز صرفها لغيره سبحانه.


وإن خطورة هذا الشرك لتظهر جليًا في عصرنا اليوم الذي أُقْصي فيه شرع الله - عز وجل - جانبًا،


وحكم في الأنفس، والعقول، والأموال، والأعراض بأنظمة البشر وأهواء البشر،

التي تخلو من العلم والحكمة، ومعرفة عواقب الأمور،


وإنما الذي يسيطر عليها الجهل، والهوى، والتخبط.

وإنه لم يظهر مثل هذا الشرك الخطير في تاريخ الأمة الإسلامية كما ظهر في زماننا اليوم. 

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

الاستسلام لشرع الله تعالى وأوامره ونواهيه

يقول ابن القيم رحمه الله:-

"إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على:

التسليم،

وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع،

ولهذا لم يحكِ الله سبحانه عن أمّة نبي -صدَّقتْ نبيها، وآمنت بما جاء به- أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به، ونهاها عنه، وبلّغها عن ربها

ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها.

 بل انقادت، وسلّمَت، وأذعنت،

وما عرفت من الحكمة عرفته،

وما خفي عنها لم تتوقف على معرفته، ولا جعلت طلبه من شأنها.

وكان رسولها أعظم في صدورها من سؤالها عن ذلك كما في الإنجيل:

«يابني إسرائيل لا تقولوا: لم أمر ربنا، ولكن قولوا: بم أمر ربنا»؛


ولهذا كانت هذه الأمة التي هي أكمل الأمم عقولاً، ومعارف وعلومًا  لا تسأل نبيها لم أمر الله بذلك؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدر كذا؟ ولم فعل كذا؟


لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام،

وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم،

وذلك يوجب تعظيم الرب تعالى وأمره ونهيه،


فلا يتم الإيمان إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه،

فعلى قدر تعظيم العبد لله سبحانه يكون تعظيمه لأمره ونهيه،


وتعظيم الأمر دليل على تعظيم الآمر،

1 وأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به،

2 ثم العزم الجازم على امتثاله،

3 ثم المسارعة إليه والمبادرة به رغم القواطع والموانع،

4 ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه،

5ثم فعله لكونه مأمورًا به


فإن ورد الشرع بذكر حكمة الأمر، أو فَقِهَهَا العَقْلُ، كانت زيادةً في البصيرة والداعية في الامتثال

وإن لم تظهر له حكمته لم يوهِن ذلك انقيادَه، ولم يقدح في امتثاله


فالمعظِّم لأمر الله يُجري الأوامرَ والنواهي على ما جاءت

لا يعللها بعلل توهنها وتخدش في وجه حسنها

فضلاً عن أن يعارضها بعلل تقتضي خلافها،

فهذا حال ورثة إبليس❗❗


والتسليم والانقياد والقبول حال ورثة الأنبياء" 

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل



من ثمرات الإيمان باسمه سبحانه [ الحكيم ]


ثالثًا: وفي شهود آثار حكمته سبحانه في أقداره ثمار عظيمة في القلب والسلوك منها


الرضا بقضاء الله تعالى وقدره،

والإيمان بأن ما يقضيه الله - عز وجل - من أحكامه الكونية القدرية

فيها الحكمة البالغة،

وفيها الصلاح والخير،

إما في الحال أو المآل مما نعلمه وما لا نعلمه مما يعود إلى كمال علمه وحكمته،


ولو ظهر فيها شيء مما تكرهه النفوس وتتألم منه مما يقدره الله سبحانه،

ففيه الخير والصلاح للناس، ولو لم يظهر للبشر هذه الخيرية؛


فلابد من الإيمان بأن الله - عز وجل - له الحكمة البالغة فيما يقدر، وهذا مما يقتضيه اسم الله (الحكيم).


يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى:

«إنه من يدري فلعل وراء المكروه خيرًا،

ووراء المحبوب شرًا،
إن العليم بالغايات البعيدة المطلع على العواقب المستورة

هو الذي يعلم وحده، حيث لا يعلم الناس شيئًا»

والمقصود: أن الإيمان بأن الله سبحانه حكيم في قضائه وقدره؛

يثمر في قلب المسلم الاستسلام والرضا بما يقدره الله - عز وجل - من الأحكام الكونية القدرية،

من مصائب وأمراض وغيرها، مما لا يستطيع دفعه بالأسباب الشرعية،


أما ما يمكن دفعه ومنازعته بقدر آخر من أقدار الله - عز وجل - فإن هذا لا يعارض الإيمان بالقدر،

كما سبق نقله عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.


فالإيمان بعلم الله - عز وجل -

وكتابته لجميع المقادير قبل وقوعها،

ثم الإيمان بأنه سبحانه حكيم فيما يفعل ويقضي ويقدر،

كل هذا يبث الرَّوح والطمأنينة ويسكبها في قلب المسلم المخبت لربه، المطمئن لقضائه وقدره، الموقن بأن كل ما يكتبه الله - عز وجل - عليه من مصائب وغيرها فهي خير له إما عاجلاً أو آجلاً،


كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185]،


وكما قال صلى الله عليه وسلم:

(عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له). رواه مسلم  

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل

تابع من ثمرات شهود آثار حكمته سبحانه في أقداره


لقد كان أنبياء الله - عز وجل - يدركون ما في أسماء الله - عز وجل - من العبوديات

وما يلزم عليها من الرضا والتسليم والطمأنينة لقضاء الله وقدره.


فهذا نبي الله يعقوب - عليه الصلاة والسلام - عندما جاءه الخبر بحجز ابنه الثاني عند عزيز مصر - وقد سبق ذلك فقده ليوسف - عليه السلام -

توجه برجائه ودعائه لله عز وجل.


قال تعالى يحكي حاله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}

[يوسف: 83].


وكذلك الحال ليوسف - عليه السلام - عندما جمعه الله بأبويه، حيث قال:


{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].

ومن خلال التأمل للآيتين السابقتين نلاحظ أن يعقوب وابنه - عليهما الصلاة والسلام - قد ختما تضرعهما لله - عز وجل - بعد المصائب التي حلت بهما بهذين الاسمين العظيمين

 (العليم الحكيم).


واختيار هذين الاسمين الجليلين في هذا المقام له دلالته ومغزاه؛


فأعرف الناس بالله - عز وجل - هم أنبياؤه ورسله، ولقد ختما تضرعهما إلى الله - عز وجل - باسم (العليم الحكيم)،

وذلك - والله أعلم - لما يبثه هذان الاسمان الكريمان في قلب المسلم من الرضا والطمأنينة والتسليم لقدر الله - عز وجل -، وأن شيئًا في هذا الكون لا يحدث إلا بعلم الله - عز وجل - وحكمته البالغة.


والمقصود أن ظهور آثار حكمته سبحانه في قضائه وقدره، والإيمان الجازم بأن له سبحانه الحكمة البالغة بما ظهر أو لم يظهر لنا من الحكمة


كل ذلك يثمر الطمأنينة، والسعادة، والرَّوح فيما يصيب المسلم من مصائب ومكروهات،


كما يثمر راحة القلب من الهموم والحسد، والحقد التي هي في حقيقتها معارضة لأحكام الله القدرية، وارتياب في حكمة الله تعالى البالغة. 

ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل