من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الرب)
إن اسم (الرب) سبحانه وما يستلزم من الأسماء والصفات
يتضمن تعريف الناس
غايتهم التي خلقوا من أجلها،
وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم؛
فكونه رب العالمين لا يليق به أن يترك عباده سدى هملاً لا يعرفهم
بنفسه ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها..
فهذا هضم للربوبية ونسبة للرب إلى ما لا يليق
{ أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) }
[المؤمنون].
الرضا به سبحانه ربًا وإلهًا وحاكمًا ومشرعًا،
لأن الرضا بربوبيته - عز وجل - هو رضا العبد بما يأمره به ربه
وينهاه عنه، ويقسمه له ويقدره عليه، ويعطيه إياه ويمنعه منه.
فمن لم يحصل الرضى بذلك كله لم يكن العبد قد رضي به ربًا من جميع
الوجوه،
ولا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يأتي بكل موجبات الربوبية ولوازمها.
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله
ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولاً).رواه مسلم
ومتى ذاق العبد طعم الإيمان فلا تسأل عن سعادته، وأنسه، وطمأنينيته
وثباته، ولو احتوشته البلايا والرزايا.
كما أن من هذا شأنه فإن طاعات الله - عز وجل - تسهل عليه وتلذ له ،
كما يكون في قلبه كره معاصي الله - عز وجل - والنفور منها.
من آثار الإيمان باسمه سبحانه
(الرب)
لما كان من معاني (الرب) أنه
الذي يربي عباده وينقلهم من طور إلى طور
وينعم عليهم بما يقيم حياتهم ومعاشهم.
وهو الذي أحسن خلقهم وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
فإن هذه المعاني من شأنهاأن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه
سبحانه
وحب ما يحبه ومن يحبه،
وبغض ما يبغضه ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته،
وتعظيمه وإجلاله
وشكره وحمده الحمد اللائق بجلاله وعظمته وسلطانه وإنعامه.
لما كان من معاني (الرب):-
أنه المتكفل بأرزاق خلقه،
وعنده خزائن السماوات والأرض
له الملك وله الحمد
يحيي ويميت
وهو على كل شيء قدير.
فإن هذه الصفات تورث في قلب العبد العارف لربه سبحانه قوة عظيمة
في التوكل عليه سبحانه في جلب المنافع، ودفع المضار،
وفي تصريف جميع أموره
فلا يتعلق إلا بالله تعالى
ولا يرجو إلا هو،
ولا يخاف إلا منه سبحانه
إذ كيف يتعلق بمخلوق ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا
موتًا ولا حياة ولا نشورًا. فضلاً عن أن يملكه لغيره.
ولله اﻷسماء الحسنى - عبدالعزيز الجليل
من آثار الإيمان باسمه سبحانه ( الرب )
الإيمان بصفة الربوبية لله - عز وجل - يعني الإيمان بأسمائه
الحسنى وصفاته العلا،
إذ إن من صفات الرب سبحانه كونه قادرًا خالقًا بارئًا مصورًا، حيًا،
قيومًا عليمًا، سميعًا، بصيرًا، محسنًا، جوادًا، كريمًا، معطيًا، مانعًا.
وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات.
إذاً فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى - والتي سيأتي تفصيلها
- إن شاء الله تعالى - هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم (الرب) سبحانه
لما كان من معاني الربوبية اختصاصه سبحانه
بجلب المنافع ودفع المضار،
وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات
فإن العباد - بما أودع الله في فطرهم من معرفة ربهم بهذه الصفات -
يلجأون إلى ربهم ويتضرعون إليه في الشدائد والملمات
وينفضون أيديهم من كلٍ سوى الله - عز وجل -
وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته أثر هذا في دعائه وقوة رجائه،
ولجوئه، وتضرعه لربه سبحانه والوثوق بكفايته سبحانه وقدرته على قضاء حوائج عباده.
ولذلك نرى في أدعية أنبيائه - سبحانه وتعالى - وأوليائه تكرار الدعاء
بقولهم: (ربنا، ربنا).
ولله
الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان باسم (الرب) سبحانه
أن يسعى العبد في تربية وإصلاح نفسه ..
فمن كل حينٍ لآخر عليه أن يبحث عن آفات نفسه وعيوبها،
ويسعى في علاجها وتهذيب نفسه ..
وقواعد إصلاح النفس وتهذيبها، هي:
القاعدة الأولى: الاستعانة بالله تعالى .. على تلك المهمة الصعبة
القاسية،
ويعلم إنه لن يُهذَّب إلا إذا شاء الله له ذلك.
القاعدة الثانية: الصدق والإخلاص في طلب التغيير ..
فلن يتغيَّر إلا إذا كان صادقًا مخلصًا، وإذا صدق بُشِّر.
القاعدة الثالثة: معرفة عيب النفس ..
ومن عرف نفسه، عرف ربَّه .. فعليه أن يُبصَّر بعيوبه،
من خلال أمرين:
الأول نقد الناقد ونصيحة الناصح
وأن يُبصِّر الإنسان نفسه بعيوب نفسه،
قال تعالى {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (*) وَلَوْ
أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14,15]
القاعدة الرابعة: الشروع في إصلاح عيوب نفسه .. على علم وبصيرة،
بالعلاج الذي يناسب آفاته وعيوبه.
القاعدة الخامسة : التدرُّج
والمنهجية في التعامل مع النفس ..
فعليك أن تتدرَّج في معاملتك لنفسك، فتبدأ معها بالأمور اليسيرة إلى
أن تصل إلى الأصعب فالأصعب
ويتضح ذلك في طريقك لطلب العلم، فينبغي أن تبدأ بتعلُّم الأمور
الأساسية التي تُقيم بها دينك وتدرَّج بعدها حتى تصل إلى المسائل الصعبة ..
أما إذا بدأت بصعاب الأمور، فلن تتمكن من إكمال الطريق وستتعثر لا
محالة ..
قال رسول الله "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق" [رواه
أحمد وحسنه الألباني، صحيح الجامع (2246)]
أثر الإيمان بربوبية الرب على توكل العبد
قال ابن القيم رحمه الله:
"إن الله خلق الكون كله من سماء، وأرض، وأنهار، وجبال، وأشجار، وثمر،
وطعام، وأسماك،
وكل ذلك خلقه لك، وخلقك أنت لمهمة عظيمة جسيمة،
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
[الذاريات:56]،
فانشغل بما خلقت أنت له، ولا تنشغل بما خلق لك،
فإن علمت أن رزقك بيد الله جل في علاه فلن تتوكل إلا على الله." انتهى كلامه
على الإنسان أن يعلم أن أمره كله بيد الله، وأن يرضى بقدر الله
وبتدبير الله له، فهو الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون.
والله يعلم ما يصلح أمر هذا الإنسان وما يفسده.
إن الله سبحانه أحسن تدبير يوسف عليه السلام وهو طفل صغير عندما كان
في غيابة الجب،
حتى أعطاه خزائن مصر، وجعله ملكاً عليهم، بعد أن عانى ما عانى في
غيابة الجب، فالله دبر أمره
وقال: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].
هذا الاعتقاد غاب عند كثير من الناس، فما علموا أن القوة والقدرة
والعدة بيد الله، وأن الخلق والرزق والتدبير كله بيده جل في علاه،
بل إن من الملتزمين من يضعف اعتقاده بالله وبتدبيره لشئون الكون، فيميل قلبه لمديره أو رئيسه في العمل، ولا يميل قلبه لله جل في علاه،
يميل قلبه للسبب ولا يميل للمسبب.
أثر الإيمان بالربوبية في الحياة الآخرة
إن الذين اعتقدوا في ربهم الاعتقاد الصحيح
وآمنوا بربوبيته،
وتعبدوه بها حق التعبد
يدخلون الجنة على صورة القمر، كل منهم يأخذ بيد أخيه ويدخلونها من أول
وهلة، دون عذاب ولا حساب،
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(سبعون
ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب،
قالوا: من يا رسول الله!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا
يكتوون
- وجماع كل
هذه الصفات صفة الربوبية-
وعلى ربهم يتوكلون)،
وفي رواية سبعون ألفاً يدخلون الجنة مع كل واحد سبعون ألف،
وهذا هو الفوز العظيم،
نسأل الله أن يجعلنا ممن يتدبر في صفات الله جل في علاه.