* صفات عباد الرحمن *




* وقفات مع عباد الرحمن * 

بعد أن درسنا اسم [الرحمن] يجدر بنا أن نتعرف على بعض صفات عباد الرحمن؛ ونعرض أنفسنا عليها ونكمل ما ينقصنا منها ساعين بذلك أن نكون من عباد الرحمن ♡

 

▪قال تعالى :-
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)..} إلى آخر سورة الفرقان .

 

- {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}

يقول الشيخ السعدي -رحمه الله- : "العبودية لله نوعان:

۱- عبودية لربوبيته:
فهذه يشترك فيها سائر الخلق:
مسلمهم وكافرهم،
برُّهُم وفاجرهم،
↩فكلهم عبيد لله مربوبون مُدَبَّرون
قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:19]
۲- وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته:
وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا
↩ولهذا أضافها إلى اسمه [الرحمن]
إشارةً إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته،
فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت...

 

*الصفة الأولى من صفات عباد الرحمن*

((التواضع))

 

قال تعالى{ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } [الفرقان:63]
- المشي الهَوْن : هو الذي ليس فيه ضرب بالأقدام وخفقُ النعال فهو مخالف لمشْي المتجبرين المعجَبين بنفوسهم وقوتهم .
وهذا الهَوْن ناشئ عن التواضع لله تعالى والتخلُّق بآداب النفس العالية وزوال بطر أهل الجاهلية فكانت هذه المشية من خلال الذين آمنوا على الضد من مشي أهل الجاهلية .

▫وعن عمر بن الخطاب أنه رأى غلاماً يتبختر في مِشيته فقال له
«إن البخترة مِشية تُكْره إلا في سبيل الله» .
↩وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله سبحانه { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً }
فاقْصِدْ في مِشيتِك ،
وحكى الله تعالى عن لقمان قولَه لابنه { ولا تَمْشِ في الأرض مرَحاً } [ الإسراء : 37 ] .
والتخلّق بهذا الخلق مظهر من مظاهر التخلق بالرحمة المناسب لعباد الرحمن
↩لأن الرحمة ضد الشدة ، فالهوْن يناسب ماهيتَها وفيه سلامة من صدم المارين .
(تفسير التحرير والتنوير - ابن عاشور)

*الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن*

(( الحِلم )) 

 

قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان:63]
ثم إنّ الله وصَف عباده المؤمنين بصفةٍ أخرى وهي الحِلم والصفح والعفو والإعراض عن الجاهلين:
(وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)،
▪إذا جَهِلَ عليهم جَاهِل أو خاطبهم سفيه بما لا يليق
↩تغاضوا عنه وحملوه على عقله ولم يجاروه في سفهه، بل قابلوا تلك الأخلاق السيئة بخلق حسن...
قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * 
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35]،

▪ فإذا خاطبه جاهل أو تكلم عليه سفيه حمله على عقله، وأن هذا دليل على قصور العقل ونقص الرأي،
 فلا يخوض معه في سفه ولا يخوض معه في جهل.

ولهذا كان هذا الخلق الكريم الذي هو الإعراض عن الجاهلين خلق رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-،

يحدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي وكان على النبي صلى الله عليه وسلم برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة،
 قال أنس: فلقد رأيت أثرها في عنقه -صلى الله عليه وسلم-،

وقال: يا محمد، أعطني من مال الله الذي عندك،
فالتفت وتبسم ثم أمر له بالعطاء. (رواه البخاري)

⤴هكذا عامل -صلى الله عليه وسلم- الأعرابي الرجل الجاهل، عامله بالتبسم وأعطاه حقه دون أن يعاقبه؛ صبرا وتحملا؛
لأن الله يقول عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].

(خطبة صفات عباد الرحمن - عبدالعزيز آل الشيخ)

*الصفة الثالثة من صفات عباد الرحمن*

((صلاة الليل))

 

(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) الفرقان:64  
هؤلاء أحسن الخلق، ثم هم أيضا رغبوا في الخير واهتموا بأنفسهم، 
يبيتون الليل سجدا وقياما،  يراوحون بين السجود والقيام،
 يحيون من الليل ما يحيون؛ طاعةً لله لتصلح قلوبهم، وتزكو نفوسهم:
(كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:17-18]،

 (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [السجدة:16].

 ذَكَر السجود لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد،
 والدعاء في السجود من أسباب قبول الدعاء،
 والدعاء آخر الليل من أسباب القبول؛
↩لأن الله ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فينادي:
هل من سائل فأعطيه؟
هل من تائب فأتوب عليه؟
هل من مستغفر فأغفر له؟.

 (خطبة : صفات عباد الرحمن - عبدالعزيز آل الشيخ)

*الصفة الرابعة من صفات عباد الرحمن*

((الإيمان بأن النار حق))


 (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً *
 إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) [الفرقان:65-66]،

 آمنوا بالنار أنها حق يُعَذِبُ الله بها أعداءه، ويُعَذِبُ بها المخالفين لشرعه، وكل ينال قدره منها،

 فالكافرون مخلدون فيها أبدا، والمؤمن قد يُعَذَبُ على قدر معاصيه،
 ويتوب الله على من تاب.

 هذه النار العظيمة التي أخبر الله عنها في كتابه وأخبر عنها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أهل الإيمان يدعون ربهم أن يصرف عنهم عذاب النار؛
↩لأن عذابها غرام، ملازم لأهله، لا ينفك عنهم أبدا...

 قال -جلَّ وعلا-:
 (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
 وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف:29]،

 (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) [الزخرف:77]، فهم خالدون مخلدون.

 فإذا تذكروا النار وعذابها وأغلالها وسعيرها خافوا منها،
وسألوا الله أن يعيذهم منها:
(إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً)،

 مُلازما لأهلها؛ إنها ساءت مستقرا وساءت مقاما، فنسأل الله السلامة والعافية.

(خطبة : صفات عباد الرحمن - عبدالعزيز آل الشيخ)

 *الصفة الخامسة من صفات عباد الرحمن*

((التوسط والاعتدال))


 {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]

 بيَّن -سبحانه- حالهم ((حال عباد الرحمن)) في سلوكهم وفي معاشهم
 فقال- تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا...}

▫أى: أن من صفاتهم أنهم ملتزمون في إنفاقهم التوسط،
▪فلا هم مسرفون ومتجاوزون للحدود التي شرعها الله- تعالى-
▫ولا هم بخلاء في نفقتهم إلى درجة التقتير والتضييق،
▪وإنما هم خيار عدول يعرفون أن خير الأمور أوسطها.

 واسم الإشارة في قوله- تعالى-: {وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً}
↩يعود إلى المذكور من الإسراف والتقتير.

 والقوام: الشيء بين الشيئين. وقوام الرجل: قامته وحسن طوله وهيئته،

▪أى: وكان إنفاقهم «قواما» أى وسطا بين الإسراف والتقتير والتبذير والبخل،

↩فهم في حياتهم نموذج يقتدى به في القصد والاعتدال والتوازن.

 وذلك لأن الإسراف والتقتير كلاهما مفسد لحياة الأفراد والجماعات والأمم،

 لأن الإسراف تضييع للمال في غير محله.
 والتقتير إمساك له عن وجوهه المشروعة،
 أما الوسط والاعتدال في انفاق المال، فهو سمة من سمات العقلاء الذين على أكتافهم تنهض الأمم،
 وتسعد الأفراد والجماعات.

(تفسير الوسيط - الطنطاوي)

*الصفة السادسة من صفات عباد الرحمن*

((اجتناب الشرك وكبائر الذنوب))


 {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ 
وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68]

 1- { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ }
 بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه.
 
2- {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ }
وهي نفس المسلم والكافر المعاهد،
{ إِلَّا بِالْحَقِّ }  كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحلُّ قتله.

 3- { وَلَا يَزْنُونَ } بل يحفظون فروجهم { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [المؤمنون:6]

 { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ } أي :الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا
 فسوف{ يَلْقَ أَثَامًا }
 {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا }(69)

 فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه وكذا لمن أشرك بالله،
وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة 
لكونها إما شرك وإما من أكبر الكبائر.

⚠ وأما خلود القاتل والزاني في العذاب فإنه لا يتناوله الخلود لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية أنَّ:
 جميع "المؤمنين" سيخرجون من النار
 ولا يخلد فيها "مؤمن" ولو فعل من المعاصي ما فعل،

 ونَصَّ تعالى على هذه الثلاثة لأنها من أكبر الكبائر:
-فالشرك فيه فساد الأديان،
-والقتل فيه فساد الأبدان
-والزنا فيه فساد الأعراض...

(تفسير السعدي)

*الصفة السابعة من صفات عباد الرحمن*

((لا يحضرون الأقوال والأفعال المحرمة))


 {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} الفرقان 72
 أي: لا يحضرون الزور (القول والفعل المحرَّم)،
 
فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة،
 كالخوض في آيات الله والجدال الباطل
 والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء
 والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، 
 
<<وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه>>

 وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية...
 
(تفسير السعدي)

*الصفة الثامنة من صفات عباد الرحمن*

((الإعراض عن اللغو))


 {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان : 72]

 { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ }
▪وهو الكلام الذي لا خير فيه
▪ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم
 { مَرُّوا كِرَامًا }
▪ أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه

 ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربؤوا بأنفسهم عنه.

 وفي قوله:{ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ}  إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه،
ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.

(تفسير السعدي)

*الصفة التاسعة من صفات عباد الرحمن*

((الاستجابة لآيات الله))


 {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا }(73) الفرقان

 { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} ↙التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها،
 { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} 
↙لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها
↩كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها:⬇

 كما قال تعالى:
{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}
 [السجدة 15]

 يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها،
وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية
↩فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا.

(تفسير السعدي)

*الصفة العاشرة من صفات عباد الرحمن*

((التضرع بخير الدعاء))


 {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان

 { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا } قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات،

 { وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } تقر بهم أعيننا.

 وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم 
حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين

 وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم
فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم

 فقالوا: { هَبْ لَنَا } بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين 
لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم.

 { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين 
والكُمَّل من عباد الله الصالحين
↩وهي درجة الإمامة في الدين
 
 وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، 
ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.

 ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به،

 وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتم إلا بالصبر واليقين
 كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة 24]
 
- فهذا الدعاء يستلزم
▪من الأعمال
▪والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة
▪ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين،
↩خيرا كثيرا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.

(تفسير السعدي)

**جزاء عباد الرحمن**

 
 {أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) الفرقان

 لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات

 فقال: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا } المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة 
الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين
وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا

 ولهذا قال { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا }
▪من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.

 والحاصل: أن الله وصفهم:
-بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الأدب 
- والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان 
-وقيام الليل والإخلاص فيه،

- والخوف من النار والتضرع لربهم أن ينجيهم منها 
- وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك - 
وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط،
 فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى-

- والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته 
-والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك،

-وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها بأنفسهم 
- وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها،

وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي،

- وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها،

- وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، 
وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، 
ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم 
لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه،
-وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية.
 
فلله ما أعلى هذه الصفات وأرفع هذه الهمم وأجل هذه المطالب!
وأزكى تلك النفوس وأطهر تلك القلوب وأصفى هؤلاء الصفوة وأتقى هؤلاء السادة"
 
ولله، فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل.

 ولله، منّة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم،
 وأوضح لهم أجورهم،
 
 ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم, ويبذلوا جهدهم في ذلك،
 
ويسألوا الذي منّ عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان، 
أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم.

 فاللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك،

لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه.

 نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة،
 فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت 
من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم،

  فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك فلا خاب من سألك ورجاك.

(تفسير  السعدي)