يوصف الله عزَّ وجلَّ بأنه
القَيُّوم والقَيِّم والقَيَّام)
وهو وصفٌ ذاتيٌ ثابت لله بالكتاب والسنة،
الدليل من الكتاب:
قولـه تعالى: الله لا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّوم [البقرة: 255].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسـلم في
تهجده: ((... لك الحمد؛ أنت قَيِّم السماوات والأرض ومن
فيهن...)) .
قال العلماء:
▫من صفاته
القيَّام والقيِّم؛ كما صرح به هذا الحديث،
▫والقَيُّوم
بنص القـرآن وقائم،
ومنه قولـه تعالى:
{أَفَمَنْ
هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس} ٍ؛ .
قال ابن قتيبة:
▪(ومن
صفاته: (القَيُّوم) و(القيَّام)، وقرئ بهما جميعاً،
▪وهما
(فيعول)و(فيعال)، من قمت بالشيء: إذا وليته، كأنه القيِّم بكل شيء، ومثله في
التقدير: دَيُّور وديَّار) .
وقال الزجاجي: (القَيُّوم: فيعول من قام يقوم، وهو من أوصاف المبالغة
في الفعل) .
من معاني اسم "القيوم"
أن الله هو القائم بذاته
المقيم للعدل بين خلقه في الدنيا،
والمقيم بالقسط بينهم في الآخرة حتى تُوزَن الأعمالُ بدِقَّة،
وهذه المسألة تفطن لها العلماء ورثة الأنبياء دون غيرهم،
الذين يعرفون قدر الله وعدله وقسطه،
ولذلك استشهدهم على وحدانيته القائمة بالقسط والعدل،
فقال سبحانه: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18]،
والله تعالى هو قيوم الحياة، وقيوم الممات وقيوم الأرزاق,
وهو الذي أقام الأبدان والأرواح، والعقول والفطر،
وأقام الهداية بفضله وأقام الغواية بعدله،
وأقام الجنة بدوام النعيم، وأقام النار بدوام العذاب بقيوميته،
لذا قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ) [الروم: 25]،
فهو قائم على هذا الكون العظيم بكلياته وجزئياته في كل وقت،
▫في
السموات والأرض،
▫في
الدنيا والآخرة،
القائم على كل نفس، يعلم أحوالها، ويسمع أقوالها، ويبصر أفعالها.
تبديد
الغيوم في فقه اسم الله "القيوم" - ملتقى الخطباء
أسماء الله - القيوم
من الآثار الإيمانية لاسم الله "القيوم"
معرفة قدر الدنيا
الدنيا دار امتحان وهي مليئة بالفتن والأكدار والمنغصات، لذاتها
وشهواتها مهلكة، ونعمها زائلة،
▪إذا حلت
أوحلت، وإذا كست أوكست، فلم تَصْفُ لأحد، بل أهلها في شقاء وكبد من كثرة ما فيها
من ابتلاءات وآفات،
لذلك إذا لم يكن القلب موصولا بربه، عارفا بأسمائه وصفاته، بصيرا
بمعانيها ودلائلها واستحقاقاتها،
▪فإنه
يعيش وسط هذه الدنيا بأمواج فتنها وبلاياها ونوازلها، بلا طوق إنقاذ ولا سند نجاة،
غريق لا محالة، تائه ضائع ساخط،
وهذا هو حال كثير من الناس
كما قال الله عز وجل (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا
الْمُصَلِّينَ) [المعارج: 19 - 22].
والعبد المؤمن حينما يدرك أن الله تعالى قيوم قائم بالقسط والتدبير،
ومنفرد بالمشيئة والتقدير،
عنده خزائن كل شيء، لا ينزله إلا بقدر معلوم، وأنه كفيل قائم بأمره
ورزقه،
أدى ذلك إلى اعتماده على ربه في كل شيء، ووثق به دون كل شيء، وقنع بكل
ما جاءه من ربه، وصبر على ما ابتلاه به،
فلا يطمع في سواه، ولا يرجو إلا إياه، ولا يشهد في العطاء إلا مشيئته
ولا يرى في المنع إلا حكمته، ولا يعاين في القبض والبسط إلا قدرته وقيوميته،
فيكثر من دعائه وذكره لاسيما إذا حزبه هم أو لحقه كرب،
وقد تقدم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان النّبي صلى
الله عليه وسلم إذا كربه أمرٌ، وفي رواية أخري إذا حزبه أمر
قال: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ "
[الترمذي(3565)].
فما أحوج القلب لأنوار اسم الله القيوم أن تسطع على حناياه وتطهر روحه
من التوكل والتوجه لغير المولى جل وعلا،
ما أحوج البشرية المعذبة التي حارت مع نداءات الشرق والغرب، والشيوعية
والرأسمالية أن تعرف
المالك الحقيقي والمدبر الحقيقي والذي بيده الأمر كله وقائم على كل
نفس وخلق في الكون كله،
فكم لهذا الاسم العظيم الأعظم المبارك من آثار إيمانية وظلال ربانية
على قلب المؤمن الصادق،
وهي الآثار التي لا يسع المؤمن أن يجهلها, أو يتخلى عنها بعد إدراكها
ومعرفتها،
ومن أهم هذه الآثار والثمار التي تشرق على قلب المؤمن باسم الله
القيوم:
المعرفة الحقيقية لقدر الدنيا
معرفة معنى اسم القيوم لا يجعل للدّنيا في قلب عبد قيمة ولا حيزاً،
بل يتعامل معها كما يتعامل مع شيء لا يملكه، ولا يتحكم فيه،
فوجب عليه أن يقوم بما كلّفه مولاه القيّوم علمًا وعملاً، والله هو
القائمٌ بأمره المدبر لشئونه...
تبديد
الغيوم في فقه اسم الله "القيوم" -ملتقى الخطباء
من الآثار الإيمانية لاسم الله "القيوم"
الاستغناء عن الخلق
أن المؤمن متى أعطى هذا الاسم الكريم حقه من العلم والعمل بمقتضاه
فقد استيقن أن الله تعالى قائم بتدبير أمور العباد وأرزاقهم وجميع
أحوالهم،
كما أن من أعطى هذا الاسم حقه من التعبد به لله تبارك وتعالى
فقد توكل على ربه
▫وانقطع
رجاؤه من الخلق إلى الله تعالى،
▫واستغنى
عما في أيديهم إلى ما في يدي الله تبارك وتعالى
لأن العباد محتاجون مفتقرون إلى خالقهم
▪في
قيامهم وقعودهم
▪وحركاتهم
وسكناتهم
▪في
دنياهم وأخراهم
▪وفي
حياتهم وبعد مماتهم.
شرح اسم الله القيوم (الجزء الأول) للد.محمد النابلسي
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين ( الحي القيوم)
التبرؤ من الحول والقوة والافتقار التام لله - عز وجل -
وإنزال جميع الحوائج بالله - عز وجل -
وإخلاص الاستعانة والاستغاثة والاعتصام لله - عز وجل -
وقطع التعلق بالمخلوق الضعيف المربوب لله تعالى المفتقر إلى ربه - عز
وجل - الفقر الذاتي التام.
ولذا وردت الاستغاثة باسمه (الحي القيوم)،
كما جاء في الحديث السابق: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
▪" انتظم هذان الاسمان صفات الكمال والغنى التام، والقدرة التامة،
▪فكأن
المستغيث بهما مستغيث بكل اسم من أسماء (الرب) تعالى وبكل صفة من صفاته
▪فما أولى
الاستغاثة بهذين الاسمين أن يكونا في مظنة تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإنالة
الطلبات".
ولله
الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين ( الحي القيوم )
ومع ظهور آثار قيوميته سبحانه لكل شيء من المخلوقات
جامدها، ومتحركها،
فاجرها، وتقيها
إلا أن لآثار قيوميته سبحانه بأوليائه وبمن أحبه↔ شأنًا آخر وطعمًا
خاصًا
يظهر في حفظه ولطفه ورعايته بعباده المتقين،
وهذا يقتضي محبة الله - عز وجل- المحبة التامة،
والركون إليه، والتعلق به وحده،
والسكون إليه، والرضا بتدبيره..
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
▫"هو سبحانه (القيوم) المقيمُ لكلِّ شيءٍ من المخلوقات - طائعِها
وعاصيها -
▫فكيف
تكون قيوميته بمن أحبَّه وتولاه؛ وآثره على ما سواه، ورضي به من دون الناس حبيبًا،
وربّاً، ووكيلا،ً وناصرًا، ومعينًا، وهاديًا؟".
شرح اسم الله القيوم (الجزء الثاني) للد.محمد
النابلسي
التعبد لله عز وجل باسمه "القيوم"
اعلم أن من حق ربك عليك أن تعرف أسماءه الحسنى , وصفاته العلى ، وتبصر
القائم على كل نفس ، الذي قام كل شيء به , وترى الحي القيوم الذي لا ينام أبداً.
فإذا عرفت ذلك
▫قمت بين
يدي ربك خاشعاً ذليلاً بالمحبة والتعظيم،
▫وقضيت
أوقاتك في طاعته،
▫واستعملت
جوارحك في عبادته
{أَمَّنْ
هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو
رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }
[ الزمر /
٩ ] .
فسبحان من كل شيء له عابد، ولعزته خاضع , ولرحمته راج ، ولإحسانه
محتاج
{وَلَهُ
أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُونَ } [ آل عمران / ٨٣ ] .
فارغب إلى مولاك الكريم بالقيام بحسن الطاعة، ودوام العبادة , تنال
الأجر الكبير
{وَمَن
يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [ الأحزاب/٧١].
واعلم رحمك الله أنك للبقاء خُلقت ولم تخلق للفناء ،
وإنما تُنقل من دار إلى دار لتجزى بعملك، ثم تستقر في دار القرار حسب
ما عملت في الجنة أو النار
{ وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ{14} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ{15} وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي
الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {16} [الروم/١٤-١٦].
فاعقل رحمك الله من أنت؟
وعبدُ من أنت؟ ولِـمَ خُلقت؟ وما الذي يريد ربك منك؟ .
وإذا عرفت أن ربك هو الحي القيوم، وإليه تنتهي الأمور , وعنده خزائن
الأجور ,
فاعمل له بكل جهد ، ولا تستبق منك باقية في العمل له بطاعته، فقد أعد
الله لك بقاءً كريماً لا فناء بعده
{وَعَدَ
اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [ التوبة
/٧٢] .
وقد أهّلك مولاك الكريم لأمر عظيم , ومقام كريم , وملك لا يفنى إن
أطعته وعملت بما يحب
{إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ{54} فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ
مُّقْتَدِرٍ {55} [ القمر /٥٤-٥٥] .
فأرضه بدوام ذكره وشكره وحسن عبادته , فسيرضيك ويسترضيك
{وَعْدَ
اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ }
[ الروم / 6 ] .
وإن رغبت عنه وجعلته وراء ظهرك
فاعلم أنك لابد باق في عذاب أليم لا يبيد ولا يفنى ، ولا يموت فيه
الإنسان ولا يحيا
{فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ{112} وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ
وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُون َ{113}
[ هود/١١٢-١١٣]
.
التعبد لله عزوجل باسمه "القيوم"
اعلم أن الله كما داوم عليك بإحسانه، وتابع عليك إنعامه،
فداوِم أنت على ذكره , وشكره , وحسن عبادته،
ليديم عليك ذلك، ويزيدك من نعمائه
{وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [ إبراهيم / ٧ ] .
فكن قائماً على نفسك
بحملها على طاعة الله ,
واجتناب معصيته ,
واستعمل جوارحك فيما يحبه ربك ويرضاه من العبادة , والدعوة إلى الله ,
وتعليم شرعه , والإحسان إلى الخلق بالعلم والمال والبدن ,
ومن أحسن في الدنيا أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة
{هَلْ
جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}
[ الرحمن/٦٠].
واعلم أن من وقف لك ظالماً لك ثم انصرف عنك وأحسن إليك
فالله نصرك به وسمح له أن يحسن إليك , وألهمه قضاء حاجتك , إما أنه
خاف منك , أو استحيا منك , أو عطف عليك ,
فاشكر من سلبه عداوته لك , وسخره لقضاء حاجتك
{اللّهُ
لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
[ آل
عمران/٢].
« اللَّهُمَّ
رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ , أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ,
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ
فِيهِنَّ ,
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ
فِيهِنَّ .
أَنْتَ الْحَقُّ,وَقَوْلُكَ الْحَقُّ,وَوَعْدُكَ الْحَقُّ,
وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ,وَالْجَنَّةُ حَقٌّ,وَالنَّارُحَقٌّ , وَالسَّاعَةُ حَقٌّ.
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ , وَبِكَ آمَنْتُ , وَعَلَيْكَ
تَوَكَّلْتُ , وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ , وَبِكَ حَاكَمْتُ,
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ , وَأَسْرَرْتُ
وَأَعْلَنْتُ , وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
» متفق عليه .