مقتضى كلمة التوحيد


مقتضى كلمة التوحيد

إن العمل بمقتضى كلمة ( لا إله إلا الله) :-
هو عبادة الله والكفر بعبادة ما سواه..
 وهو الغاية المقصود من هذه الكلمة؛
وتقتضي (لا إله إلا الله):-
قبول تشريع الله في العبادات والمعاملات والتحليل والتحريم،
ورفض تشريع من سواه

 قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} "21"الشورى.

فلابد من قبول تشريع الله في العبادات والمعاملات والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه في الأحوال الشخصية وغيرها
ورفض القوانين الوضعية.

ومعنى ذلك رفض لجميع البدع والخرافات التي يبتدعها ويروجها شياطين الإنس والجن في العبادات
ومن تقبل شيئاً من ذلك فهو مشرك.

كما قال تعالى
{إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} "121" الأنعام..
وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} "31"التوبة.
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: تلى هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه فقال:
 " يا رسول الله لسنا نعبدهم،

قال: أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه،؟
قال: بلى_
 قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم "
رواه الترمذي رقم (3094).في التفسير.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
فصارت طاعتهم في المعصية عبادة لغير الله
وبها اتخذوهم أربابا المنافي للتوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله...
فتبين أن كلمة الإخلاص نفت هذا كله لمنافاته لمدلول هذه الكلمة.
معنى لا إله إلا الله ومقتضاها - صالح الفوزان



 يجب رفض التحاكم للقوانين لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وترك التحاكم إلى ما عداه من النظم والقوانين البشرية...

قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} النساء"59"
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} الشورى "10"

 وقد حكم سبحانه بكفر من لم يحكم بما أنزل الله وبظلمه وفسقه.
ونفى عنه الإيمان مما يدل على أن الحكم بغير ما أنزل الله:- 
إذا كان الحاكم به يستبيحه أو يرى أنه أصلح من حكم الله وأحسن

فهذا كفر وشرك ينافي التوحيد ويناقض لا إله إلا الله تمام المناقضة -

وإن كان لا يستبيح ذلك ويعتقد أن حكم الله هو الذي يجب الحكم به- ولكن حمله الهوى على مخالفته
فهذا كفر أصغر وشرك أصغر.
يُنقض معنى لا إله إلا الله ومقتضاها.

إذاً فلا إله إلا الله منهج متكامل
▪يجب أن يسيطر على حياة المسلمين وجميع عباداتهم وتصرفاتهم.
▪فليست لفظاً يردد للبركة والأوراد الصباحية والمسائية بدون فهم لمعناها وعمل بمقتضاها والسير على منهجها
كما يظنه كثير ممن يتلفظون بها بألسنتهم ويخالفونها في معتقداتهم وتصرفاتهم.
معنى لا إله إلا الله ومقتضاها - صالح الفوزان


حقيقة الانتفاع بكلمة التوحيد

سبق أن قلنا أن قول لا إله إلا الله
 لابد أن يكون مصحوباً  بمعرفة
معناها والعمل بمقتضاها....

ولكن لما كان هناك نصوص قد يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي وقد تعلق بهذا الوهم بعض الناس.. اقتضى إيضاح ذلك لإزالة هذا الوهم عمن يريد الحق.

قال الشيخ سليمان رحمه الله أعلم أنه :-

قد وردت أحاديث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النار 
حديث عتبان... الذي فيه:
"فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"
رواه البخاري 11/206. ومسلم رقم (33)...
 وحديث أنس"....
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل فقال: "يا معاذ: قال لبيك يا رسوله الله وسعديك، قال ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار"رواه البخاري 1/199.

ولمسلم عن عبادة مرفوعاً: "ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله حرمه الله على النار"  صحيح مسلم (1/228-229). بشرح النووي

ووردت أحاديث فيها أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة وليس فيها أنه يحرم على النار منها..

حديث أبي هريرة أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك -الحديث فيه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقي الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة" رواه مسلم3صحيح مسلم (1/224). بشرح النووي..

معنى لا إله إلا الله ومقتضاها - صالح الفوزان 

هذه هي الشبهة التي دخلت على كثير من الناس وفهموا الأحاديث فهما ناقصا غير صحيحا
فما هو الرد عليهم
وكيف نجمع بين الأحاديث ؟
  

كيف نجمع بين الأحاديث

الجواب :
 "أحسن ما قيل في معناه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره:

 أن هذه الأحاديث
إنما هي فيمن قالها ومات عليها،
كما جاءت مقيدة
وقالها خالصاً من قلبه مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها وبصدق ويقين،

فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة

لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى
بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً فإذا مات على تلك الحال نال ذلك،

فإنه قد توترات الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة،

وتوترات بأن كثيراً ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها،

 وتوترات بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله،

وتوترات بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،

لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال

وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص
 ولا اليقين..
ومن لا  يعرف ذلك يخشى عليه أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها،

وأكثر من يقولها تقليداً وعادة لم
يخالط الإيمان بشاشة قلبه،
 وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء... كما في الحديث:

"سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته"
وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد وإقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من قوله تعالى:
{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}الآية (23). من سورة الزخرف..

وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث
فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصراً على ذنب أصلا.
 فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء فإذاً لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ولا كراهية
لما أمر الله.
وهذا هو الذي يحرم على النار وإن
كانت له ذنوب قبل ذلك.
فإن هذا الإيمان
وهذه التوبة
وهذا الإخلاص
 وهذه المحبة
 وهذا اليقين لا تترك له ذنباً إلا يمحى كما يمحى الليل بالنهار.
    معنى لا إله إلا الله ومقتضاها - صالح الفوزان



قال الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة: (كلمة الإخلاص):-

"على قوله صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"
 قال: -
ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة

وفهم الصديق أنه لا يمنع قتاله إلا بأداء حقوقها
لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله"،
وقال: "الزكاة حق المال"
وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما
 وأنه قال:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى   يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة "

وقد دل قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}التوبة 5

كما دل قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}التوبة 11

على أن الأخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد ، فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد
 فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صواباً

فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً،
بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة

معنى لا إله إلا الله ومقتضاها - صالح الفوزان